كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
وحديث سبقت رحمتي غضبي محمول على الزيادة في الآثار أوتقدم ظهورها
وأصل الضلال الهلاك ومنه قوله تعالى : أئذا ضللنا في الارض أي هلكنا وقوله تعالى وأضل أعمالهم أي أهلكها والضلال في الدين الذهاب عن الحق وقرأ أبو أيوب السختياني ولا الضالين بإبدال الألف همزة فرارا من إلتقاء الساكنين مع أنه في مثله جائز وحكى أبو ريد دأبة وشأبة وعلى هذه اللغة قراءة عمرو بن عبيد فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان وقوله : والأرض أما سودها فتجللت بياضا وأما بيضها فأدهامت وهل يقاس عليه أم لا قولان وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعبدالله بن الزبير أنهما كانا يقرآن وغير الضالين والمتواتر لا كما في الإمام وهو سيف خطيب أتى بها لتأكيد ما في غير من معنى النفي والكوفيون يجعلونها هنا بمعناها والمراد بالمغضوب عليهم اليهود وبالضالين النصارى وقد روى ذلك أحمد في مسنده وحسنه إبن حبان في صحيحه مرفوعا إلى رسول الله وأخرجه إبن جرير عن إبن عباس وإبن مسعود رضي الله تعالى عنهم وقال إبن أبي حاتم : لا أعلم فيه خلافا للمفسرين فمن زعم أن الحمل على ذلك ضعيف لأن منكري الصانع والمشركين أخبث دينا من اليهود والنصارى فكان الإحتراز منهم أولى بل الأولى أن يحمل المغضوب عليهم على كل من أخطأ في الأعمال الظاهرة وهم الفساق ويحمل الضالون على كل من أخطأ في الإعتقاد لأن اللفظ عام والتقييد خلاف الأصل فقد ضل ضلالا بعيدا إن كان قد بلغه ما صح عن رسول الله وإلا فقد تجاسر على تفسير كتاب الله تعالى مع الجهل بأحاديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وما قاله في منكري الصانع لا يعتد به لأن من لا دين له لا يعتد بذكره والعجب من الإمام الرازي أنه نقل هذا ولم يتعقبه بشيء سوى أنه زاد في الشطرنج بغلا فقال ويحتمل أن يقال المغضوب عليهم هم الكفار والضالون هم المنافقون وعلله بما في أول البقرة من ذكر المؤمنين ثم الكفار ثم المنافقين فقاس ما هنا على ما هناك وهل بعد قول رسول الله الصادق الأمين قول لقائل أو قياس لقائس هيهات هيهات دون ذلك أهوال وأستدل بعضهم على أن المغضوب عليهم هم اليهود بقوله تعالى : من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعلى أن الضالين النصارى بقوله تعالى ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا والأولى الإستدلال بالحديث لأن الغضب والضلال وردا جميعا في القرآن لجميع الكفار على العموم فقد قال تعالى ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله وقال تعالى إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا وورد لليهود والنصارى جميعا على الخصوص كما ذكره المستدل وإنما قدم سبحانه المغضوب عليهم على الضالين مع أن الضلال في باديء النظر سبب للغضب إذ يقال ضل فغضب عليه لتقدم زمان المغضوب عليهم وهم اليهود على زمان الضالين وهم النصارى أو لأن الأنعام يقابل بالإنتقام ولا يقابل بالضلال فبينهما تقابل معنوي بناء على أن الأول ئصال الخير إلى المنعم عليه والثاني إيصال الشر إلى المغضوب عليه أو لأن اليهود أشد في الكفر والعناد وأعظم في الخبث والفساد و أشد عداوة للذين آمنوا ولذا ضربت عليهم الذلة والمسكنة وورد في الحديث من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود رواه السلفي والديلمي وإبن عدي والنصارى دون ذلك وأقرب للإسلام منهم ولذا وصفوا بالضلال لأن الضال قد يهتدي ومما يدل على أن اليهود أسوأ حالا من النصارى أنهم كفروا بنبيين محمد وعيسى عليه السلام والنصارى كفروا بنبي واحد وهو نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وفضائحهم وفظائعهم أكثر مما عند النصارى كما ستقرؤه وتراه إن شاء الله تعالى وقول النصارى
الصفحة 96
404