كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
بالتثليث ليس أفظع من قول اليهود إن الله فقير ونحن أغنياء وقولهم يد الله مغلولة وقولهم عزير إبن الله فمن زعم أن النصارى أسوأ حالا متوكئا على ما في دلائل الأسرار لم يعرف أسرار الدلائل وهي بعد العيوق عنه وليست المسألة من الفروع ليكتفي مثلنا فيها بالتقليد المحض لاسيما وفضل الله تعالى ليس بمقصور على البعض وقال بعضهم : تأخير الضالين لموافقة رؤوس الآي ولابأس بضمه إلى تلك الوجوه وإلا فالإقتصار عليه من ضيق العطن وإنما أسند النعمة إليه تعالى تقربا والمقصود طلب الهداية إلى صراط من ثبت إنعام الله تعالى عليه وتحقق ولذلك أتى بالفعل ماضيا وأنحرف عن ذلك عند ذكر الغضب إلى الغيبة تأديا ولأن منطلب منه الهداية ونسب الأنعام إليه لا يناسب نسبة الغضب إليه لأنه مقام تلطف وترفق وتذلل لطلب الإحسان فلا يناسب مواجهته بوصف الإنتقام
وقد عد إبن كثير في كنز البلاغة والتنوخي في الأقصى للقريب بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله نوعا غريبا من الإلتفات فإن كان الإلتفات كما في إستعمال الأدباء والمتقدمين بمعنى الإفتنان فلا غبار عليه وإن كان بالمعنى المتعارف فلك أن تقول على رأي السكاكي الذي لا يشترط تعدد التعبير بل مخالفة مقتضى الظأهر أن المخاطب إذا ترك خطابه وبنى ما أسند إليه للمفعول والمحذوف كالغائب فلا مانع من أن يسمى إلتفاتا فكما يجري في الإنتقال من مقدر إلى محقق يجري في عكسه وهو معنى بديع كما قاله الشهاب ويسن بعد الختام أن يقول القاريء آمين فقد روى إبن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في الدلائل عن أبي ميسرة أن جبريل أقرأ النبي فاتحة الكتاب فلما قال ولا الضالين قال له قل آمين فقال آمين ويقولها المأموم لقراءة إمامه فقد أخرج مسلم وأبو داؤد والنسائي وإبن ماجه وإبن أبي شيبة عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا قرأ يعني الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يحبكم الله وإخفاؤها مذهب ساداتنا الحنفية وهو مذهب أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه وعبدالله بن مسعود وعند الشافعية يجهر بها وعن الحسن لا يقولها الإمام لأنه الداعي وعن أبي حنيفة في رواية غير مشهورة أنه يخفيها وروى الإخفاء عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عبدالله بن مغفل وأنس رضي الله تعالى عنهما كما في الكشاف ورواية الجمهور محمولة على التعليم والبحث فقهي وهذا القدر يكفي فيه وليست من القرآن إجماعا ولذا سن الفصل بينها وبين السورة بسكتة لطيفة وما قيل إنها من السورة عند مجاهد فمما لا ينبغي أن يلتفت إليه إذ هو في غاية البطلان إذ لم يكتب في الإمام ولا في غيره من المصاحف أصلا حتى ذكر غير واحد أن من قال : إن آمين من القرآن كفر وهي أسم فعل مبني على الفتح كأين لإلتقاء الساكنين والبحث عنأسماء الأفعال مفروغ عنه في كتب النحو والصحيح أنها كلمة عربية ومعناها أستجيب وقيل موضوعة لما هو أعم منه ومن مرادفه ومن الغريب ما قيل أنه عجمي معرب همين لما أن فاعيل كقابيل ليس من أوزان العرب ورد بأنه يكون وزنا لا نظير له وله نظائر ولذا قيل إنه في الأصل مقصور ووزنه فعيل فأشبع ومن العجيب ما قيل إنه أسم الله تعالى والقول في توجيهه أنه لما كان مشتملا على الضمير المستتر الرجع إليه تعالى قيل أنه من أسمائه أعجب منه وقد تمد ألفه وتقصر وإلى أصالة كل ذهب طائفة وأما تشديد ميمه فذكر الواحدي أنه لغة فيه وقيل إنه جمع آم بمعنى قاصد منصوب با جعلنا ونحوه مقدرا وقيل إنه خطأ ولحن وحيث أنه ليس من القرآن بل دعاء ومعناه صحيح قال بعضهم لاتفسد به الصلاة وإن كان لحنا وفضل هذه السورة مما لا يخفى ويكفي في فضلها ما روى بأسانيد صحيحة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله خرج على أبي بن كعب فقال ياأبي وهو يصلي فألتفت أبي فلم يجبه فصلى أبي فخفف ثم أنصرف إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال :
الصفحة 97
404