كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 2)

وهذاكما قال الإمام السيوطيتحريف للحديث فإن قصة بني سلمة لم يكن فيها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إماما ولا هو الذي تحول في الصلاة فقد أخرج النسائي عن أبي سعيد بن المعلى قال : كنا نغدو إلى المسجد فمررنا يوما ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قاعد على المنبر فقلت : حدث أمر فجلست فقرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية فقلت لصاحبي : تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فنكون أول من صلى فصليناهما ثم نزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فصلى للناس الظهر يومئذ وروى أبو داؤد عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس فلما نزلت هذه الآية مر برجل ببني سلمة فناداهم وهم كروع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة فمالوا كما هم ركوعا إلى الكعبة فما ذكر مخالف للروايات الصحيحة الثابتة عند أهل هذا الشأن فلا يعول عليه وقرأ أبي تلقاء المسجد الحرام وهي تؤيد القول الأول في شطر كما لا يخفى وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره عطف على فول وجهك ومن تتمة إنجاز الوعد والفاء جواب الشرط لأن حيث إذا لحقه ما الكافة عن الإضافة يكون من كلم المجازاة والفراء لا يشترط ذلك فيها و كان تامة أي في أي موضع وجدتم وأصل ولوا وليوا فأستثقلت الضمة على الياء فحذفت فألتقى ساكنان فحذف أولهما وضم ما قبل الياء للمناسبةفوزنه فعواوهذا تصريح بعموم الحكم المستفاد من السابق إعتناءأ به إذ الخطاب الوارد في شأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عام حكمه ما لم يظهر إختصاصه به عليه الصلاة و السلام وفائدة تعميم الأمكنةعلى ما ذهب إليه البعضدفع توهم أن هذه القبلة مختصة بأهل المدينة وقيل : لما كان الصرف عن الكعبة لإستجلاب قلوب اليهود وكان مظنة أن لا يتوجه إليها في حضورهم أشار إلى تعميم التولية جميع الأمكنة أو يقال : صرح بأن التولية جهة الكعبة فرض مع حضور بيت المقدس ولأهله أيضا لئلا يظن أن حضور بيت المقدس يمنع التوجه إلى جهة الكعبة مع غيبتها فليفهم وقرأ عبدالله فولوا وجوهكم قبله
وإن الذين أوتوا الكتاب أي من اليهود والنصارى ليعلمون أنه أي التحويل أو التوجه المفهوم من التولية الحق من ربهم لا غيره لعلمهم بأن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم لا يأمر بالباطل إذ هو النبي المبشر به في كتبهم وتحققهم أنه لا يتجاوز كل شريعة عن قبلتها إلى قبلة شريعة أخرى وأما إشتراك النبي وإبراهيم عليه السلام في هذه القبلة فلإشتراكهما في الشريعة على ما ينبيء عنه قوله تعالى : بل ملة إبراهيم حنيفا ووقوفهم على ما تضمنته كتبهم من أنه يصلى إلى القبلتين والجملة عطف على قد نرى بجامع أن السابقة مسوقة لبيان أصل التحويل وهذه لبيان حقيته قيل : أو إعتراضية لتأكيد أمر القبلة وما الله بغافل عما يعملون 441 إعتراض بين الكلامين جيء به للوعد والوعيد للفريقين من أهل الكتاب الداخلين تحت العموم السابق المشار إليهما فيما سيجيء قريبا إن شاء الله تعالى وهما من كتم ومن لم يكتم وقرأ إبن عامر وحمزة والكسائي تعملون بالتاء فهو وعد للمؤمنين وقيل : على قراءة الخطاب وعدلهم وعلى قراءة الغيبة وعيد لأهل الكتاب مطلقا وقيل : الضمير على القراءتين لجميع الناس فيكون وعدا ووعيدا لفريقين من المؤمنين والكافرين

الصفحة 10