كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 2)

هذا بأنه يقتضي حينئذ التعبير بالفاء لأنها التي تفيد الترتيب وأجيب بأن الواو أبلغ لأنه عول في الترتيب على الذهن الذي هو أعدل شاهد كما ذكر السكاكي فهزموهم أي كسروهم وغلبوهم والفاء فيه فصيحة أي أستحباب الله تعالى دعاءهم فصبروا وثبتوا ونصروا فهزموهم بإذن الله أي بإرادته إنهزامهم ويؤل إلى نصره وتأييده والباء إما للإستعانة والسببية وإما للمصاحبة وقتل داؤد هو إبن إيشا جالوت أخرج عبدالرزاق وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : لما برز طالوت لجالوت قال جالوت : أبرزوا إلي من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم فأتى بداؤد إلى طالوت فقاضاه إن قتله أن ينكحه إبنته وأن يحكمه في ماله فألبسه طالوت سلاحا فكره داؤد أن يقاتله بسلاح وقال : إن الله تعالى إن لم ينصرني عليه لم يغن السلاح شيئا فخرج إليه بالمقلاع وخلاة فيها أحجار ثم برز له فقال له جالوت : أنت تقاتلني قال داؤد : نعم قال : ويلك ما خرجت إلا كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة لأبددن لحمك ولأطعمنه اليوم للطير والسباع فقال له داؤد : بل أنت عدو الله تعالى شر من الملب فأخذ داؤد حجرا فرماه بالمقلاع فأصابت بين عينيه حتى قعدت في دماغه فصرخ جالوت وأنهزم من معه وأحتز رأسه وآتاه الله الملك في بني إسرائيل بعد ما قتل جالوت وهلك طالوت وذلك أن طالوتكما روى في بعض الأخبارلما رجع وفي بالشرط فأنكح داؤد إبنته وأجرى خاتمه في ملكه فمال الناس إلى داؤد وأحبوه فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده فأراد قتله فعلم به داؤد فسجى له زق خمر في مضجعه فدخل طالوت إلى منام داؤد وقد هرب داؤد فضرب الزق ضربة فخرقه فسال الخمر منخ فقال : يرحم الله تعالى داؤد ما كان أكثر شربه للخمر ثم إن داؤد أتاه من القابلة في بيته وهو نائم فوضع سهمين عند رأسه وعند رجليه وعن يمينه وعن شماله سهمين فلما أستيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال : يرحم الله تعالى داؤد هو خير مني ظفرت به فقتلته وظفر بي فكف عني ثم أنه ركب يوما فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس فقال : اليوم أقتل داؤد وكان داؤد إذا فزغ لا يدرك فركض على أثره طالوت ففزع داؤد فأشتد فدخل غارا وأوحى الله تعالى إلى العنكبوت فضربت عليه بيتا فلما إنتهى طالوت إل الغار ونظر إلى بناء العنكبوت قال : لو كان دخل ههنا لخرق بيت العنكبوت فرجع وجعل العلماء والعباد يطعنون عليه بما فعل مع داؤد وجعل هو يقتل العلماء وسائر من ينهاه عن قتل داؤد حتى قتل كثيرا من الناس ثم أنه ندم بعد ذلك وخلى الملك وكان له عشرة بنين فأخذهم وخرج يقاتل في سبيل الله تعالى كفارة لما فعل حتى قتل هو وبنوه في سبيل الله تعالى فأجتمعت بنو إسرائيل على داؤد وملكوه أمرهم فهذا إيتاء الملك والحكمة المراد بها النبوة ولم يجتمع الملك والنبوة لأحد قبله بل كانت النبوة في سبط والملك في سبط وهذا بعد موت ذلك النبي وكان موته قبل طالوت وذكر الحكمة بعد الملك لأنها كانت بعده وقوعا أو للترقي من ذكر الأدنى إلى ذكر الأعلى وعلمه مما يشاء كصنعة اللبوس ومنطق الطير وكلام الدواب والضمير المستتر راجع إلى الله تعالى وعوده إلى داؤد كما قالالسمين ضعيفلأن معظم ما علمه تعالى له مما لا يكاد يخطر ببال ولا يقع في أمنية بشر ليتمكن من طلبه ومشيئته ولولا دفع الله الناس بعضهم وهم أهل الشرور في الدنيا أو في الدين أو في مجموعهما ببعض آخر منهم يردهم عما هم عليه بما قدره الله تعالى من القتل كما في القصة المحكية أو غيره

الصفحة 173