كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 2)

وقرأ نافع هنا وفي الحجدفاععلى أن صيغة المغالبة للمبالغة لفسدت الأرض وبطلت منافعها وتعطلت مصالحها من الحرث والنسل و سائر ما يصلح الأرض ويعمرها وقيل : هو كناية عن فساد أهلها وعموم الشر فيهم وفي هذا تنبيه على فضيلة الملك وأنه لولاه ما أستتب أمر العالم ولهذا قيل : الدين والملك توأمان ففي إرتفاع أحدهما إرتفاع الآخر لأن الدين أس والملك حارس وما لا أس له فمهدوم وما لا حارس له فضائع
ولكن الله ذو فضل لا يقدر قدره على العالمين 152 كافة وهذا إشارة إلى قياس إستثنائي مؤلف من وضع نقيض المقدم منتجلنقيضالتالي خلا أنه قد وضع موضعه ما يستتبعه ويستوجبه أعني كونه تعالى ذا فضل على العالمين إيذانا بأنه تعالى يتفضل في ذلك الدفع من غير أن يجب عليه ذلك وأن فضله تعالى غير منحصر فيه بل هو فرد من أفراد فضله العظيم كأنه قيل : ولكنه تعالى يدفع فساد بعضهم ببعض فلا تفسد الأرض وينتظم به مصالح العالم وينصلح أحوال الأمم قاله مولانا مفتي الديار الرومية قدس سره
وأعترض بأنه مخالف لقول المنطقيين إن المتصلة ينتج إستثناء عين مقدمها عين تاليها لإستلزام وجود الملزوم وجود اللازم وإستثناء نقيض تاليها نقيض المقدم لإستلزام عدم اللازم وعدم الملزوم ولا ينعكس فلا ينتج إستثناء عين التالي عين المقدم ولا نقيض المقدم نقيض التالي لجواز أن يكون التالي أعم من المقدم فلا يلزم من وجود اللازم وجود الملزوم ولا من عدم الملزوم عدم اللازم وأجيب بأن ذلك إنما هو بإعتبار الهيئة وقد يستلزمه بواسطة خصوصية مادة المساواة وقد صرح إبن سينا في الفصول بأن الملازمة إذا كانت من الطرفين كما بين العلة والمعلول ينتج إستثناء كل من المقدم والتالي عين الآخر ونقيضه نقيض الآخر وفي تعليل القوم أيضا إشارة إليه حيث قالوا : لجواز أن يكون اللازم أعم وكأن في عبارة المولى إشارة إلى أن الملازمة في الشرطية من الطرفين حيث قال : منتج ولم يقل ينتج
وأجاب بعضهم بأن قولهم ذلك ليس على سبيل الإطراد بل إذا كان نقيض المقدم أعم من نقيض التالي وأما إذا كان نقيضه بعكس هذا كما في هذه الآية الكريمة وأمثالها فإنه ينتج التالي وذلك أن الدفع المذكور لما كان ملزوما لعدم فساد الأرض كانت الملازمة ثابتة بينهما لأن وجود الملزوم يستلزم وجود اللازم كما بين في موضعه وإدعاء أن الملازمة من الطرفين هنا كما زعمه المجيب الأول ليس بشيء بل اللازم ههنا أعم من الملزوم كما لا يخفى على ذي روية وكون عبارة المولى مشيرة إلى أن الملازمة من الطرفين في حيز المنع وما ذكره لا يدل عليه كما لا يخفى فأفهم وتدبر فإن نظر المولى دقيق تلك أيات الله إشارة إلى ما سلف من حديث الألوف وموتهم وإحيائهم وتمليك طالوت وإظهاره بالآية وإهلاك الجبابرة على يد صبي وما فيه من البعد للإيذان بعلو شأن المشار إليه وقيل : إشارة إلى ما مر من أول السورة إلى هنا وفيه بعد والجملة على التقديرين مستأنفة وقوله تعالى : نتلوها عليك أي بواسطة جبريل عليه السلام إما حال من الآيات والعامل معنى الإشارة وإما جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب بالحق في موضع النصب على أنه حال من مفعول نتلوها أي متلبسة باليقين الذي لا يرتاب فيه أحد من أهل الكتاب وأرباب التواريخ لما يجدونها موافقة لما عندهم أو لا ينبغي أن يرتاب فيه أو من فاعله أي نتلوها عليك متلبسين بالحق والصواب وهو معنا أو من الضمير المجرور اي متلبسا بالحق وهو معك

الصفحة 174