كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 2)

وإنك لمن المرسلين حيث تخبر بتلك الآيات وقصص القرون الماضية وأخبارها على ما هي عليه من غير مطالعة كتاب ولا إجتماع بأحد يخبر بذلك ووجه مناسبة هذه القصة لما قبلها ظاهرة وذلك لأنه تعالى لما أمر المؤمنين بالقتال في سبيله وكان قد قدم قبل ذلك قصة الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت إما بالطاعون أو القتال على سبيل التشجيع والتثبيت للمؤمنين والإعلام أنه لا ينجي حذر من قدر أردف ذلك بأن القتال كان مطلوبا مشروعا في الأمم السابقة فليس من الأحكام التي خصصتم بها لأن ما وقع فيه الإشتراك كانت النفس أميل لقبوله من التكليف الذي يقع به الإنفراد هذا ومن باب الإشارة في هذه الآيات ألم تر إلى ملأ القوى من بني إسرائيل البدن من بعد موسى القلب إذ قالوا لنبي عقولهم أبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله وطريق الوصول إليه بواسطة أمره وإرشاده قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا اي إني أتوقع منكم عدم المقاتلة لإنغماسكم في أو حال الطبيعة قالوا وما لنا ألا نقاتل في طريق السير إلى الله تعالى وقد أخرجنا من ديار إستعداداتنا الأصلية التي لم نزل بالحنين إليها وأغتربنا عن أبناء كمالاتنا اللاتي لم نبرح عن مزيد البكاء عليها فلما كتب عليهم القتال لعدوهم الذي تسبب لهم الإغتراب وأحل بهم العجب العجاب تولوا وأعرضوا عن مقاتلته وأنتظموا في سلك شيعته إلا قليلا منهم وهم القوى المستعدة والله عليم بالظالمين الذين نقصوا حظوظهم وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت الروح الإنساني ملكا متوجا بتاج الأنوار الألهية جالسا على كسرى التدبيرات الصمدانية قالوا لإحتجاجهم بحجاب الإنانية وغفلتهم عن العلوم الحقانية كيف يكون له الملك علينا مع إنحطاط مرتبته بتنزله إلى عالم الكثافة من عالمه الأصلي وليس فيه مشابهة لنا ونحن أحق بالملك منه لإشتراكنا في عالمنا ومشابهة بعضنا بعضا وشبيه الشيء ميال إليه قريب أتباعه له
ولكل شيء آفة من جنسسه
ولم يؤت سعة من مال التصرف إذ لا يتصرف إلا بالواسطة قال : إن الله تعالى أختاره عليكم لبساطته وتركبكم وزاده سعة في العلم الألهي وقوة في الذات النوراني والله يؤتي ملكه من يشاء فيدبره بإذنه والله واسع لسعة الإطلاق عليم بالحكم التي تقتضي الظهور والتجلي بمظاهر الأسماء وقال لهم نبيهم إن آية ملكه عليكم وخلافته من قبل الرب فيكم أن يأتيكم تابوت الصدر فيه سكينة أي طمأنينة من ربكم وهي الطمأنينة بالإيمان والأنس بالله تعالى وبقية مما ترك آل موسى القلب وآل هرون السر وهي من التوحيد وعصا لا إله إلا الله التي تلقف عظيم سحر صفات النفس وطست تجلي الأنوار الذي يغسل به قلوب الأنبياء وشيء من توراة الإلهامات تحمله ملائكة الإستعدادات لدى طالوت الروح فعند ذلك تسلم له الخلافة وينقاد له جميع أسباط صفات الإنسان فلما فصل طالوت وجنوده من وزير العقل ومشير القلب ومدبر الإفهام ونظام الحواس قال إن الله مبتليكم بنهر الطبيعة الجسمانية المترع بمياه الشهوات فمن شرب منه وكرع مفرطا في الري فليس من أشياعي الذين هم من عالم الروحانيات وأهل مكاشفات الصفات ومن لم يطعمه ويذقه فإنه من سكان حظائر القدس وحضار جلوة عرائس منصة الإنس إلا من أغترف غرفة بيده وقنع من ذلك بقدر الضرورة ولإحتياج من غير حرص وإنهماك فشربوا منه وكرعوا وأنهمكوا فيه إلا قليلا منهم وهم المتنزهون عن الأقذار الطبيعية المتقدسون عن ملابسها المتجردون عن غواشيها وقليل ما هم فلما جاوز طالوت الروح نهر الطبيعة وعبره هو والذين آمنوا من القلب والعقل والملك وغيرهم من أتباع الروح معه قال بعضهم وهم الضعفاء الذين

الصفحة 175