كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 2)
بسم الله الرحمن الرحيم
سيقول السفهاء
أي الخفاف الأحلام أو المستمهنوها بالتقليد المحض والإعراض عن التدبر والمتبادر منهم ما يشمل سائر المنكرين لتغير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين وروى عن السدي الإقتصار على الأول وعن إبن عباس الإقتصار على الثاني وعن الحسن الإقتصار على الثالث ولعل المراد بيان طائفة نزلت هذه الآية في حقهم لا حمل الآية عليها لأن الجمع فيها محلى باللام وهو يفيد العموم فيدخل فيه الكل والتخصيص بالبعض لايدعو إليه داع وتقديم الأخبار بالقول على الوقوع لتوطين النفس به فإن مفاجأة المكروه أشد إيلاما والعلم به قبل الوقوع أبعد من الإضطراب ولما أن فيه إعداد الجواب والجواب المعد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم وفي المثل قبل الرمي يراش السهم وليكون الوقوع بعد الأخبار معجزة له صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل : إن الوجه في التقديم هو التعليم والتنبيه على أن هذا القول أثر السفاهة فلا يبالي به ولا يتألم منه ويرد عليه أن التعليم والتنبيه المذكورين يحصلان بمجرد ذكر هذا السؤال والجواب ولو بعد الوقوع وقال القفال : إن الآية نزلت بعد تحويل القبلة وأن لفظ سيقول مراد منه الماضي وهذا كما يقول الرجل إذا عمل عملا فطعن فيه بعض أعدائه : أنا أعلم أنهم سيطعنون فيكأنه يريد أنه إذا ذكر مرة فيذكرونه مرات أخرى ويؤيد ذلك ما رواه البخاري عن البراء رضي الله تعالى عنه قال : لما قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة فأنزل الله تعالى : قد نرى تقلب وجهك في السماء إلى آخر الآية فقال : السفهاء وهم اليهود ماولاهم عن قبلتهم إلى آخر الآية وفي رواية أبي إسحاق وعبيد بن حميد وأبي حاتم عنه زيادة فأنزل الله تعالى سيقول السفهاء إلخ ومناسبة الآية لما قبلها أن الأولى قدح في الأصول وهذا في أمر متعلق بالفروع وإنما لم يعطف تنبيها على إستقلال كل منهما في الشناعة
من الناس
في موضع نصب على الحال والمراد منهم الجنس وفائدة ذكره التنبيه على كمال سفاهتهم بالقياس إلى الجنس وقيل : الكفرة وفائدته بيان أن ذلك القول المحكي لم يصدر عن كل فرد فرد من تلك الطوائف بل عن أشقيائهم المعتادين للخوض في آسن الفساد والأول أولى كما لا يخفى
ماولهم
أي أي شيء صرفهم وأصله من الولي وهو حصول الثاني بعد الأول من غير فصل والإستفهام للإنكار
عن قبلتهم
يعني بيت المقدس وهي فعلة من المقابلة كالوجهة من الواجهة وأصلها الحالة التي كان عليها المقابل إلا أنها في العرف العام أسم للمكان
الصفحة 2
180