كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 2)

الذين يسألون فتعرف حالهم بسؤالهم والمساكين السابق ذكرهم الذين لا يسألون وتعرف حاجتهم بحالهم وإن كان ظاهرهم الغنى وعليه يكون التقييد في الحديث لتأكيد رعاية حق السائل وتحقيق أن السؤال سبب للإستحقاق وإن فرض وجوده من الغنى كالقرابة واليتم
وفي الرقاب متعلق ب آتي أي آتي المال في تخليص الرقاب وفكاكها بمعاونة المكاتبين أو فك الأسارى أو إبتياع الرقاب لعتقها الرقبة مجاز عن الشخص وإيراد كلمة في للإيذان بأن ما يعطى لهؤلاء مصروف في تخليصهم لا يملكونه كما في المصارف الأخر وأقام الصلاة عطف على صلة من والمراد بالصلاة المفروضة كالزكاة في وآتى الزكاة بناءا على أن المراد بما مر من إيتاء المال نوافل الصدقات وقدمت على الفريضة مبالغة في الحث عليها أو حقوق كانت في المال غير مقدرة سوى الزكاة أخرج الترمذي والدارقطني وجماعة عن فاطمة بنت قيس قالت : قال رسول الله : في المال حق سوى الزكاة ثم قرأ الآية وأخرج البخاري في تاريخه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه نحو ذلك وأختلف هل بقى هذا الحق أم لا فذهب قوم إلى الثاني وأستدلوا بما روى عن علي كرم الله تعالى وجهه مرفوعا نسخ الأضحى كل ذبح ورمضان كل صوم وغسل الجنباة كل غسل والزكاة كل صدقة وقال جماعة بالأول لقوله تعالى : وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ولقوله عليه الصلاة و السلام : لا يؤمن بالله واليوم الآخر من بات شبعا وجاره طاو إلى جنبه وللإجماع على أنه إذا إنتهت الحاجة إلى الضرورة وجب على الناس أن يعطوا مقدار دفع الضرورة وإن لم تكن الزكاة واجبة عليهم ولو أمتنعوا عن الأداء جاز الأخذ منهم وأجابوا عن الحديث بأنه غريب معارض وفي إسناده المسيب بن شريك وهو ليس بالقوى عندهم وبأن المراد أن الزكاة نسخت كل صدقة مقدرة وجوز أن يكون المراد بما مر الزكاة المفروضة أيضا ولا تكرار لأن الغرض مما تقدم بيان مصارفها ومن هذا بيان أدائها والحث عليها وترك ذكر بعض المصارف لأن المقصود ههنا بيان أبواب الخير دون الحصر وقدم بيان المصرف إهتماما بشأنه فإن الصدقة إنما تعتبر إذا كانت في مصرفها ومحلها كما يدل عليه قوله تعالى : قل ما أنفقتم من خير فللو الدين والأقربين وعلى هذا يتعين أن يراد بالسائلين الفقراء والموفون بعهدهم إذا عاهدوا عطف على من آمن ولم يقل وأوفي كما قبله إشارة إلى وجوب إستقرار الوفاء وقيل : رمزا إلى أنه أمر مقصود بالذات وقيل : إيذانا بمغايرته لما سبق فإنه من حقوق الله تعالى والسابق من حقوق الناس وعلى هذا فالمراد بالعهد ما لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا من العهود الجارية فيما بين الناس والظاهر حمل العهد على ما يشمل حقوق الحق وحقوق الخلق وحذف المعمول يؤذن بذلك والتقييد بالظرف للإشارة إلى أنه لا يتأخر إيفاؤهم بالعهد عن وقت المعاهدة وقيل : للإشارة إلى عدم كون العهد من ضروريات الدين وليس للتأكيد كما قيل : به والصابرين في البأسآء والضرآء نصب على المدح بتقدير أخص أو أمدح وغير سبكه عما قبله تنبيها على فضيلة الصبر ومزيته على سائر الأعمال حتى كأنه ليس من جنس الأول ومجيء القطع في العطف مما أثبته الأئمة الأعلام ووقع في الكتاب أيضا وأستحسنه الآجلة وجعلوه أبلغ من الإتباع وقد جاء في النكرة أيضا كقول الهذلي : ويأوي إلى نسوة عطل وشعثا مراضيع مثل السعالي

الصفحة 47