كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 2)

أفضلا عن إجماعهم وأن الأرض لا تخلو عن واحد منهم حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ولا يخفى أن دون إثبات ما قالوه خرط القتاد لتكونوا شهدآء على الناس أي سائر الأمم يوم القيامة بأن الله تعالى قد أوضح السبل وأرسل الرسل فبلغوا ونصحوا وهو غاية للجعل المذكور مترتبة عليه أخرج الإمام أحمد وغيره عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : يجيء النبي يوم القيامة ومه الرجل والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه فيقال لهم : هل بلغكم هذا فيقولون : لا فيقال له : هل بلغت قومك فيقول : نعم فيقال له : من يشهد لك فيقول : محمد وأمته فيدعى وأمته فيقال لهم : هل بلغ هذا قومه فيقولون : نعم فيقال : وما علمكم فيقولون : جاءنا نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا فذلك قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا وفي رواية فيؤتى بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بعدالتهم وذلك قوله عزوجل : ويكون الرسول عليكم شهيدا وكلمة الإستعلاء لما في الشهيد من معنى الرقيب أو لمشاكلة ما قبله وأخرت صلة الشهادة أولا وقدمت آخرا لأن المراد في الأول إثبات شهادتهم على الأمم وفي الثاني إختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم وقيل : لتكون واشهداء على الناس في الدنيا فيما لا يصلح إلا بشهادة العدول الأخيار يوكون الرسول عليكم شهيدا ويزكيكم ويعلم بعدالتكم والآثار لا تساعد ذلك على ما فيه وما جعلنا القبلة التي كنت عليها وهي صخرة بيت المقدس بناءا على ما روى عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما أن قبلته صلى الله تعالى عليه وسلم بمكة كانت بيت المقدس لكنه لا يستدبر الكعبة بل يجعلها بينه وبينه و التي مفعول ثانلجعللاصفة القبلة والمفعول الثاني محذوف أي قبلة كما قيل وقال أبو حيان : إنا لجعل تحويل الشيء من حالةإلى أخرى فالمتلبس بالحالة الثانية هو المفعول الثاني كما فيجعلت الطين خزفا فينبغي أن يكون المفعول الأول هو الموصول والثاني هو القبلة وهو المنساق إلى الذهن بالنظر الجليل ولكن التأمل الدقيق يهدي إلى ماذكرنا لأن القبلة عبارة عن الجهة التي تستقبل للصلاةوهو كليوالجهة التي كنت عليها جزئى من جزئياتها فالجعل المدكور من باب تصيير الكلي جزئيا ولا شك أن الكلي يصير جزئيا كالحيوان يصير إنسانا دون العكس والمعنى أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة كما هو الآن وما جعلنا قبلتك بيت المقدس لشيء من الأشياء إلا لنعلم أي في ذلك الزمان من يتبع الرسول أي يتبعك في الصلاة إليها والإلتفات إلى الغيبة مع إيراده صلى الله تعالى عليه وسلم بعنوان الرسالة للإشارة إلى علة الإتباع
ممن ينقلب على عقبيه أي يرتد عن دين الإسلام فلا يتبعك فيها ألفا لقبلة آبائه و من هذه للفصل كالتي في قوله تعالى : والله يعلم المفسد من المصلح والكلام من باب الإستعارة التمثيلية بجامع أن المنقلب يترك ما في يده ويدبر عنه على أسوأ أحوال الرجوع وكذلك المرتد يرجع عن الإسلام ويترك ما في يده من الدلائل على أسوأ حال و نعلم حكاية حال ماضية و يتبع و ينقلب بمعنى الحدوث والجعلمجاز بإعتبار أنه كان الأصل إستقبال الكعبة أو المعنى ما جعلنا قبلتك بيت المقدس إلا لنعلم الآن بعد التحويل إلى الكعبة من يتبعك حينئذ ممن لا يتبعك كبعض أهل الكتاب أرتدوا لما تحولت القبلة فنعلم على حقيقة الحال والحاصل أن ما فعلناه كان لأمر عارضوهو إمتحان الناس

الصفحة 5