كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 2)

لمصدر محذوف أي إيصاءا حقا ليس بشيء وعلى التقديرين على المتقين صفة له أو متعلق بالفعل المحذوف على المختار ويجوز أن يتعلق بالمصدر لأن المفعول المطلق يعمل نيابة عن الفعل والمراد بالمتقين المؤمنو ووضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن المحافظة على الوصية والقيام بها من شعائر المتقين الخائفين من الله تعالى فمن بدله أي غير الإيصاء من شاهد ووصى وتغيير كل منهما إما بإنكار الوصية من أصلها أو بالنقص فيها أو بتبدل صفتها أو غير ذلك وجعل الشافعية من التبديل عموم وصيته من أوصى إليه بشيء خاص فالموصي شيء خاص لا يكون وصيا في غيره عندهم ويكون عندنا وليس ذلك من التبديل في شيء بعد ما سمعه أي علمه وتحقق لديه وكنى بالسماع عن العلم لأنه طريق حصوله فإنما إثمه على الذين يبدلونه
أي فما إثم الإيصاء المبدل أو التبديل والأول رعاية لجانب اللفظ والثاني رعاية لجانب المعنى إلا على مبدليه لا على الموصي لأنهم الذين خالفوا الشرع وخانوا ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على علية التبديل للإثم وإيثار صيغة الجمع مراعاة لمعنى من وفيه إشعار بشمول الإثم لجميع الأفراد إن الله سميع عليم 181
فيسمع أقوال المبدلين والموصين ويعلم بنياتهم فيجازيهم على وفقها وفي هذا وعيد للمبدلين ووعد للموصين وأستدل بالآية على أن الفرض يسقط عن الموصي بنفس الوصية ولا يلحقه ضرر إن لم يعمل بها وعلى أن من كان عليه دين فأوصى بقضائه يسلم من تبعته في الآخرة وإن ترك الوصي والوارث قضاء هو إلى ذلك ذهب الكيا والذي يميل القلب إليه أن المديون لا تبعة عليه بعد الموت مطلقا ولا يحبس في قبره كما يقوله الناس أما إذا لم يترك شيئا ومات معسرا فظاهر لأنه لو بقى حيا لا شيء عليه بعد تحقق إعساره سوى نظرة إلى ميسرة فمؤاخذته وحبسه في قبره بعد ذهابه إلى اللطيف الخبير مما لا يكاد يعقل وأما إذا ترك شيئا وعلم الوارث بالدين أو برهن عليه به كان هو المطالب بأدائه والملزم بوفاته فإذا لم يؤد ولم في أوخذ هو لا من مات وترك ما يوفى منه دينه كلا أو بعضا فإن مؤاخذة من يقول يارب تركت ما يفي ولم يف عني من أوجبت عليه الوفاء بعدي ولو أمهلتني لوفيت مما ينافي الحكمة ولا تقتضيه الرحمة نعم المؤاخذة معقولة فيمن أستدان لحرام وصرف المال في غير رضا الملك العلام وما ورد في الأحاديث محمول على هذا أو نحوه وأخذ ذلك مطلقا مما لا يقبله العقل السليم والذهن المستقيم
فمن خاف من موص جنفا أو إثما الجنف مصدر جنف كفرح مطلق الميل والجور والمراد به الميل في الوصية من غير قصد بقرينة مقابلته بالإثم فإنه إنما يكون بالقصد ومعنى خاف توقع وعلم ومنه قوله : إذا مت فأدفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها وتحقيق ذلك أن الخوف حالة تعتري عند إنقباض من شر متوقع فلتلك الملابسة أستعمل في التوقع وهو قد يكون مظنون الوقوع وقد يكون معلومه فأستعمل فيهما بمرتبة ثانية ولأن الأول أكثر كان إستعماله فيه أظهر ثم أصله أن يستعمل في الظن والعلم بالمحذور وقد يتسع في إطلاقه على المطلق وإنما حمل على المجاز هنا لأنه لا معنى للخوف من الميل والإثم بعد وقوع الإيصاء وقرأ أهل الكوفة غير حفص ويعقوب من موصب التشديد والباقون بالتخفيف فأصلح بينهم أي بين الموصي لهم من الوالدين والأقربين بإجرائهم على نهج الشرع وقيل المراد فعل ما فيه الصلاح بين الموصي والموصي له بأن يأمر بالعدل والرجوع عن الزيادة وكونها للأغنياء

الصفحة 55