كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 2)

واللام هي ألفاصلة بين المخففة والنافية وزعم الكوفيون أن إن هي النافية واللام بمعنى إلا وقال البصريون : لو كان كذلك لجاز أن يقال : جاء القوم لزيدا على معنى إلا زيدا على معنى إلا زيدا وليس فليس وقريء لكبيرة بالرفع ففي كان ضمير القصة و كبيرة خبر مبتدأ محذوف أي لهي كبيرة والجملة خبر كان وقيل : إن كانت زائدة كما في قوله : وإخوان لنا كانوا كرام
وأعترض بأنه إن أريد أن كان مع أسمها زائدة كانت كبيرة بلا مبتدأ وإن المخففة بلا جملة ومثله خارج عن القياس وإن أريد إن كان وحدها كذلك والضمير باق على الرفع بالإبتداء فلا وجه لإتصاله وإستتاره وأجيب بأنه لما وقع بعد كان وكان من جهة المعنى في موقع أسم كان جعل مستترا تشبيها بالأسم وإن كان مبتدأ تحقيقا ولا يخفى أنه من التكلف غايته ومن التعسف نهايته إلا على الذين هدى الله أي إلى سر الأحكام الشرعية المبنية على الحكم والمصالح إجمالا أو تفصيلا والمراد بهم من يتبع الرسول من الثابتين على الإيمان الغير المتزلزلين المنقلبين على أعقابهم
وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتكم إلى القبلة المنسوخة ففي الصحيح أنه لما وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى القبلة قالوا : يا رسول الله فكيف بالذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فنزلت فالإيمان مجاز من إطلاق اللازم على ملزومه والمقام قرينة وهو التفسير المروي عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره من أئمة الدين فلا معنى لتضعيفه كما يحكيه صنيع بعضهم وقيل : المراد ثباتكم على الإيمان أو إيمانكم بالقبلة المنسوخة واللام في ليضيع متعلقة بخبر كان المحذوف كما هو رأي البصريين وإنتصاب الفعل بعدها بأن مضمرة أي ما كان مريد الأن يضيع وفي توجيه النفي إلى إرادة الفعل مبالغة ليست في توجيهه إليه نفسه وقال الكوفيون : اللام زائدة وهي الناصبة للفعل و يضيع هو الخبر ولا يقدح في عملها زيادتها كما لا تقدح زيادة حروف الجر في العمل وبهذا يندفع إستبعاد أبي البقاء خبرية يضيع بأن اللام لام الجر وإن بعدها مرادة فيصير التقدير ما كان الله إضاعة إيمانكم فيحوج للتأويل لكن أنت تعلم أن هذا الذي ذهب إليه الكوفيون بعيد من جهة أخرى لا تخفى
إن الله بالناس لرؤوف رحيم 341 تذييل لجميع ما تقدم فإن إتصافه تعالى بهذين الوصفين يقتضي لا محالة أن الله لا يضيع أجورهم ولا يدع ما فيه صلاحهم والباء متعلقة ب رؤوف وقدم على رحيم لأن الرأفة مبالغة في رحمة خاصة وهي رفع المكروه وإزالة الضرر كما يشير إليه قوله تعالى : ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله أي لا ترأفو بهما فترفعوا الجلد عنهماأعم منه ومن الأفضال ودفع الضرر أهم من جلب النفع وقول القاضي بيض الله تعالى غرة أحواله : لعل تقديم الرؤوف مع أنه أبلغ محافظة على الفواصل ليس بشيء لأن فواصل القرآن لا يلاحظ فيها الحرف الأخير كالسجع فالمراعاة حاصلة على كل حال ولأن الرحمة حيث وردت في القرآن قدمت ولو في غير الفواصل كما في قوله تعالى : رأفة ورحمة ورهبانية إبتدعوها في وسط الآية وكلام الجوهري في هذا الموضع خزف لا يعول عليه وقول عصام : إنه لا يبعد أن يقال : الرؤوف إشارة إلى المبالغة في رحمته لخواص عباده والرحيم إشارة إلى الرحمة لمن دونهم فرتبا على حسب ترتيبهم فقدم الرؤوف لتقدم متعلقه شرفا وقدرا لا شرف ولا قدر بل ولا عصام له ولأنه تخصيص لا يدل عليه كتاب ولا سنة ولا إستعمال وقرأ نافع وإبن كثير وإبن عامر وحفص لرؤوف بالمد والباقون بغير مد كندس

الصفحة 7