كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 2)

التي أضمرتها ووافقت مشيئة الله تعالى وحكمته في موضع نصب صفةلقبلة ونكرها لأنه لم يجر قبلها ما يقتضي أن تكون معهودة فتعرف باللام وليس في اللفظ ما يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يطلب قبلة معينة
فول وجهك
الفاء لتفريع الأمر على الوعد وتخصيص التولية بالوجه لما أنه مدار التوجه ومعياره وقيل : المراد به جميع البدن وكنى بذلك عنه لأنه أشرف الأعضاء وبه يتميز بعض الناس عن بعض أو مراعاة لما قبل والتولية إذا كانت متعدية بنفسها إلى تمام المفعولين كانت مستعملة بأحد المعنيين المتقدمين وإذا كانت متعدية إلى واحد فمعناها الصرف إما عن الشيء أو إلى الشيء على إختلاف صلتها الداخلة على المفعول الثاني وهي هنا بهذا المعنى فوجهك مفعول أول وقوله تعالى : شطر المسجد الحرام أي نحوه كما روى عن إبن عباس أو قبله كما روى عن علي كرم الله تعالى وجهه أو تلقاءه كما روى عن قتادة ظرف مكان مبهم كمفسره منصوب على الظرفية أغنى غناء إلى فان مؤديول وجهكنحو أو قبل أو تلقاء المسجدوول وجهك إلى المسجد وإنما لم يجعل الأمر من المتعدية إلى مفعولين بأن يكون شطر مفعوله الثاني كما قيل به لأن ترتبه بالفاء وكونه إنجازا للوعد بأن الله تعالى يجعل مستقبل القبلة أو قريبا من جهتها بأن يؤمر بالصلاة إليها يناسبه أن يكون مأمورا بصرف الوجه إليها لا بأن يجعل نفسه مستقبلا لها أو قريبا من جهتها فإن المناسب لهذا فلنأمرنك بأن تولي ولأنه يلزم حينئذ أن يكون الواجب رعاية سمت الجهة لأن المسجد الحرام جهة القبلة فإذا كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مأمورا بجعل نفسه مستقبل جهة المسجد أو قريبا منها كان مأمورا بإستقبال جهة الجهة أو بقرب جهة الجهة بخلاف ما إذا جعل من التولية بمعنى الصرف وشطرظرفا فإنه يصير المعنى أصرف وجهك نحو المسجد الحرام وتلقاءه الذي هو جهة القبلة فيكون مأمورا بمسامتة الجهة وإصابته قاله بعض المحققين وقيل : الشطر في الأصل لما أنفصل عن الشيء ثم أستعمل لجانبه وإن لم ينفصل فيكون بمعنى بعض الشيء ويتعين حينئذ جعله مفعولا ثانيا وفيه أنهوإن لم يلزم حينئذ وجوب رعاية جهة الجهة لكن عدم مناسبته بإنجاز الوعد باق والقول بأن الشطر هنا بمعنى النصف مما لا يكاد يصح والحرامالمحرم أي محرم فيه القتال أو ممنوع من الظلمة أن يتعرضوا وفي ذكر المسجد الحرام الذي هو محيط بالكعبة دون الكعبة مع أنها القبلة التي دلت عليها الأحاديث الصحاح إشارة إلى أنه يكفي للبعيد محاذاة جهة القبلة وإن لم يصب عينها وهذه الفائدة لا تحصل من لفظ الشطركما قاله جمعلأنه لو قيل : فول وجهك شطر الكعبة لكان المعنى أجعل صرف الوجه في مكان يكون مسامتا ومحاذيا للكعبة وهذا هو مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وأحمد وقول أكثر الخراسانيين من الشافعية ورجحه حجة الإسلام في الإحياء إلا إنهم قالوا : يجب أن يكون قصد المتوجه إلى الجهة العين التي في تلك الجهة لتكون القبلة عين الكعبة وقال العراقيون والقفال منهم : يجب إصابة العين وقال الإمام مالك : إن الكعبة قبلة أهل المسجد والمسجد قبلة مكة وهي قبلة الحرم وهو قبلة الدنيا وفي حديث إبن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا ما يدل عليه وهذا الخلاف في غير من يكون شاهدا أما هو فيجب عليه إصابة العين بالإجماع ولم يقيد سبحانه وتعالى التولية في الصلاة لأن المطلوب لم يكن سوى ذلك فأغنى عن الذكر وقيل : لأن الآية نزلت وهو صلى الله تعالى عليه وسلم في الصلاة فأغنى التلبس بها عن ذكرها وأستدل هذا القائل بماذكره القاضي تبعا لغيره أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجه إلى الكعبة في رجب بعد الزوال قبل قتال بدر بشهرين وقد صلى بأصحابه في مسجد بني سلمة ركعتين من الظهر فتحول في الصلاة وأستقبل الميزاب وتبادل الرجال والنساء صفوفهم فسمى المسجد مسجد القبلتين

الصفحة 9