كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 3)

أي السموات والأرض وإنما لم يتعرض لذكر ما فيها لما أن حفظهما مستتبع لحفظه وخصهما بالذكر دون الكرسي لأن حفظهما هو المشاهد المحسوس والقول بالإستخدام ليدخل هو والعرش وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله تعالى بعيد وهو العلى أي المتعلى عن الأشباه والأنداد والأمثال والأضداد وعن أمارات النقص ودلالات الحدوث وقيل : هو من العلو الذي هو بمعنى القدرة والسلطان والمهلك وعلو الشأن والقهر والإعتلاء والجلال والكبرياء العظيم
255
- ذو العظمة وكل شيء بالإضافة إليه حقير ولما جليت على منصة هذه الآية الكريمة عرائس المسائل الآلهية وأشرقت على صفحاتها أنوار الصفات العلية حيث جمعت أصول الصفات من الألوهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة واشتملت على سبعة عشر موضعا فيها أسم الله تعالى ظاهرا في بعضها ومستترا في البعض ونطقت بأنه سبحانه موجود منفرد في ألوهيته حى واجب والوجود لذاته موحد لغيره منزه عن التحيز والحلول مبرأ عن التغير والفتور لا مناسبة بينه وبين الأشباح ولا يحل بساحة جلاله ما يعرض النفوس والأرواح مالك الملك والملكوت ومبدع الأصول والفروع ذو البطش الشديد العالم وحده بجلي الأشياء وخفيها وكليها وجزئيها واسع الملك والقدرة لكل ما من شأنه أن يملك ويقدر عليه لا يشق عليه شاق ولا يثقل شيئ لديه متعال عن كل ما لا يليق بجنابه عظيم لا يستطيع طير الفكر أن يحوم في بيداء صفات قامت به تفردت بقلائد فضل خلت عنها أجياد أخواتها الجياد وجواهر خواص تتهادى بها بين أترابها ولا كما تتهادى لبنى وسعاد
أخرج مسلم وأحمد وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : إن أعظم آية في القرآن آية الكرسى وأخرج البيهقى من حديث أنس مرفوعا من قرأ آية الكرسى في دبر كل صلاة مكتوبة حفظ إلى الصلاة لأخرى ولا يحافظ عليها إلا نبى أو صديق أو شهيد وأخرج الديلمى عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال لو تعلمون ما فيها لما تركتموها على حال أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : أعطيت آية الكرسى من كنز تحت العرش لم يؤتها نبي قبلي والأخبار في فضلها كثيرة شهيرة إلا أن بعضها مما لا أصل له كخبر من قرأها بعث لله تعالى ملكا يكتب من حسناته ويمحو من سيئآته إلى الغد من تلك الساعة وبعضها منكر جدا كخبر إن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن اقرأ آية الكرسى في دبر كل صلاة مكتوبة فإنه من يقرؤها في دبر كل صلاة مكتوبة أجعل له قلب الشاكرين ولسان الذاكرين وثواب المنيبين وأعمال الصديقين
ولا يخفى أن أكثر الأحاديث في هذا الباب حجة لمن قال : إن بعض القرآن قد يفضل على غيره وفيه خلاف فمنعه بعضهم كالأشعرى والباقلاني وغيرهما لاقتضائه نقص المفضول وكلام الله تعالى لانفقص فيه وأولوا أعظم بعظيم وأفضل بفاضل وأجازه إسحق بن راهويه وكثير من العلماء والمتكلمين وهو المختار ويرجع إلى عظم أجر قارئه ولله تعالى إن يخص ما شاء لما شاء ومناسبة هذه الآية الكريمة لما قبلها أنه سبحانه لما ذكر أن الكافرين هم الظالمون ناسب أن ينبههم جل شأنه على العقيدة الصحيحة التي هي محض التوحيد الذي درج عليه المرسلون على اختلاف درجاتهم وتفاوت مراتبهم بما أينعت من ذلك رياضة وتدفقت حياضة وصدح عند ليبه وصدع على منابر البيان خطيبه فلله الحمد على ما أوضح الحجة وأزال الغبار عن وجه المحجة
هذا ومن باب الإشارة في الآيات تلك آيات الله أي أسراره وأنواره ورموزه وإشاراته نتلوها بلسان الوحى عليك ملابسه للحق الثابت الذي لايعتريه تغيير وإنك لمن المرسلين الذين عبرو هذه المقامات

الصفحة 11