كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 3)

الحقيقة ونفس الأمر وأما ما يظهر بخلافه فليس إكراها حقيقيا وجوز أن تكون إخبارا في معنى النهي أي لا تكرهوا في الدين وتجبروا عيه حينئذ إما عام منسوخ بقوله تعالد جاهد الكفار والمنافقين وهو المحكى عن ابن مسعود وابن زيد وسليمان بن موسى أو مخصوص بأهل الكتاب الذين قبلوا الجزية وهو المحكى عن الحسن وقتادة والضحام وفى سبب النزول ما يؤيده فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رجلا من الأنصار من بنى سالم بن عوف يقال له الحصين كان له إبنان نصرانيان وكان هو رجلا مسلما فقال للنبي صلى الله تعالى عليه مسلم : ألا أستكرههما فانهما قد أبيا إلا النصرانية فأنزل الله تعالى فيه ذلك
وأل في الدين للعهد وقيل : بدل من الإضافة أي دين الله وهو ملة الإسلام وفاعل الإكراه على كل تقدير غيره تعالى ومن الناس من قال : إن المراد ليس في الدين إكراه من الله تعالى وقسر بل مبنى الأمر على التمكين والإختيار ولولا ذلك لما حصل الإبتلاء ولبطل الإمتحان فالآية نظير قوله تعالى : فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وإلى ذلك ذهب القفال قد تبين الرشد من الغي تعليل صدر بكلمة التحقيق لزيادة تقرير مضمونه أي قد تميز بما ذكر من نعوته تعالى التى يمتنع توهم اشتراك الغير في شيء منها الإيمان من الكفر والصواب من الخطأ و الرشد بضم الراء وسكون الشين على المشهور مصدر رشد بفتح الشين يرشد بضمها : ويقرأ بفتح الراء والشين وفعله رشد يرشد مثل علم يعلم وهو نقيض الغي وأصله سلوك طريق الهلاك وقال الراغب هو كالجهل إلا أن الجهل يقال اعتبارا بالإعتقاد والغى اعتبارا بالأفعال ولهذا قيل : زوال الجهل بالعلم وزوال الغي بالرشد ويقال لمن أصاب : رشد ولمن أخطأ غوى ويقال لمن خاب : غوى أيضا ومنه قوله ومن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغو لم يعدم على الغى لائما فمن يكفر بالطغوت أي الشيطان وهو المروي عن عمر بن الخطاب والحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم وبه قال مجاهد وقتادة وعن سعيد بن جبير وعكرمة أنه الكاهن وعن أبى العالية أنه الساحر وعن مالك بن أنس كل ما عبد من دون الله تعالى وعن بعضهم الأصنام والاولى أن يقال بعمومه سائر ما يطغى ويجعل الإقتصار على بعض في تلك الأقوال من باب التمثيل وهو بناء مبالغة كالجبروت والملكوت واختلف فيه فقيل : هو مصدر في الأصل ولذلك يوحد ويذكر كسائر المصادر الواقعة على الأعيان وإلى ذلك ذهب الفارسي وقيل : هو اسم جنس مفرد فلذلك لزم الإفراد والتذكير واليه ذهب سيبويه وقيل : هو جمع وهو مذهب المبرد وقد يؤنث ضميره كما في قوله تعالى : والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وهو تأنيث اعتباري واشتقاقه من طغى يطغى أو طغى يطغو ومصدر الأول الطغيان والثاني الطغوان وأصله على الأول طغيوت وعلى الثاني طغووت فقدمت اللام وأخرت العين فتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فقلب ألفا فوزنه من قبل فعلوت والآن فلعوت وقدم ذكر الكفر بالطاغوت على ذكر الإيمان بالله تعالى اهتماما بوجوب التخلية أو مراعاة للترتيب الواقعى أو للإتصال بلفظ الغى ويؤمن بالله أي يصدق به طبق ما جاءت به رسله عليهم الصلاة والسلام فقد استمسك أي بالغ في التمسك حتى كأنه وهو متلبس به يطلب من نفسه الزيادة فيه والثبات عليه بالعروة الوثقى وهي الإيمان قاله مجاهد أو القرآن قال أنس بن مالك أو كلمة

الصفحة 13