كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 3)

عنهم بضمير العقلاء إما لأنهم منهم حقيقة أو إدعاء ونسبة الإخراج إليهم مجاز من باب النسبة إلى السبب فلا يأبى تعلق قدرته وإرادته تعالى بذلك من النور أي الفطرى الذي جبل عليه الناس كافة أو نور البينات المتتابعة التي يشاهدونها بتنزيل تمكنهم من الإستضاءة بها منزلة نفسها فلا يردأنهم متى كانوا في نور ليخرجوا منه وقيل : التعبير بذلك للمقابلة وقيل : إن الإخراج قد يكون بمعنى المنع وهو لا يقتضي سابقية الدخول وعن مجاهد إن الآية نزلت في قوم إرتدوا فلا شك في أنهم حينئذ أخرجوا من النور الذي كانوا فيه وهو نور الإيمان إلى الظلمت وهي ظلمات الكفر والإنهماك في الغي وعدم الإرعواء والإهتداء بما يترى من الآيات ويتلى والجملة تفسير لولاية الطاغوت فالإنفصال لكمال الإتصال ويجوز أن تكون خبرا ثانيا كما مر أولئك إشارة إلى الموصول بإعتبار إتصافه بما في حيز الصلة وما يتبع ذلك من القبائح وجوز أن تكون إشارة إلى الكفار وأوليائهم وفيه بعد أصحب النار أي ملابسوها وملازموها لعظم ما هم عليه هم فيها خلدون
257
- ما كثون أبدا وفي هذا وعد وتحذير للكافرين ولعل عدم مقابلته بوعد المؤمنين كما قيل : للإشعار بتعظيمهم وأن أمرهم غير محتاج إلى البيان وأن شأنهم أعلى من مقابلة هؤلاء أو أن ما أعد لهم لاتفي ببيانه العبارة وقيل : إن قوله سبحانه ولي المؤمنين دل على الوعد وكفى به
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه بيان لتسديد المؤمنين إذ كان وليهم وخذلان غيرهم ولذا لم يعطف وإهتم ببيانه لأن منكري ولايته تعالى للمؤمنين كثيرون وقيل : إستشهاد على ما ذكر من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت وتقرير لهم كما أن ما بعده إستشهاد على ولايته تعالى للمؤمنين وتقرير لها وبدأ به لرعاية الإقتران بينه وبين مدلوله ولإستقلاله بأمر عجيب حقيق بأن يصدر به المقال وهو إجتراؤه على المحاجة في الله عز و جل وما أتى به في أثنائها من العظمة المنادية بكمال حماقته ولأن فيما بعده تعدادا وتفصيلا يورث تقديمه إنتشار النظم على أنه قد أشير في تضاعيفه إلى هدايته تعالى أيضا بواسطة إبراهيم عليه الصلاة و السلام فإن ما يحكى عنه من الدعوة إلى الحق وإدحاض حجة الكافرين من آثار ولايته تعالى ولا يخفى ما فيه وهمزة الإستفهام لإنكار النفي وتقرير المنفي والجمهور على أن في الكلام معنى التعجب أي ألم تنظر أو ألم ينته علمك إلى قصة هذا الكافر الذي لست بولي له كيف تصدى لمحاجة من تكفلت بنصرته وأخبرت بأني ولي له ولمن كان من شيعته أي قد تحققت رؤية هذه القصة العجيبة وتقررت بناءا على أن الأمر من الظهور بحيث لا يكاد يخفى على أحد ممن له حظ من الخطاب فلتكن في الغاية القصوى من تحقق ما ذكرته لك من ولايتي للمؤمنين وعدمها للكافرين ولتطب نفسك أيها الحبيب وأبشر بالنصر فقد نصرت الخليل وأين مقام الخليل من الحبيب وخذلت رأس الطاغين فكيف بالأذناب الأرذلين والمراد بالموصول نمروذ بن كنعان بن سنجاريب وهو أول من تجبر وإدعى الربوبية كما قاله وغيره وإنما أطلق على ما وقع لفظ المحاجة وإن كانت مجادلة بالباطل لإيرادها موردها وأختلف في وقتها فقيل : عند كسر الأصنام وقبل إلقائه في النار وهو المروي عن مقاتل وقيل : بعد إلقائه في النار وجعلها علية بردا وسلاما وهو المروي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة و السلام تشريف له وإيذان

الصفحة 15