كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 3)

و درجات قيل : حال من بعضهم على معنى ذا درجات وقيل : انتصابه على المصدر لأن الدرجة بمعنى الرفعة فكأنه قيل : ورفعنا بعضهم رفعات وقيل : التقدير على أو في درجات فلما حذف حرف الجر وصل الفعل بنفسه وقيل : إنه مفعول به ثان لرفع على أنه ضمن معنى بلغ وقيل : إبه بدل اشتمال وليس بشئ وآتينا عيسى ابن مريم البينت أي الآيات الباهرات والمعجزات الواضحات كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى والأخبار بما يأكلون ويدخرون أو الأنجيل أو كلما يدل على نبوته وفي ذكر ذلك في مقام التفضيل إشارة إلى أنه السبب فيه وهذا يقتضى أفضلية نبينا صلى الله عليه و سلم على سائر الأنبياء إذ له من قداح ذلك المعلى والرقيب
وأيدنه بروح القدس قد تقدم تفسيره وإفراده عليه السلام بما ذكر لرد ما بين أهل الكتابين في شأنه من التفريط والافراط والآية ناطقة بأن الأنبياء عليهم السلام متفاوتة الأقدار فيجوز تفضيل بعضهم على بعض ولكن بقاطع لان الظن في الاعتقاديات لا يغنى من الحق شيئا ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم أي جاءوا من بعد كل رسول كما يقتضيه المعنى لا جميع الرسل كما هو ظاهر اللفظ من الأمم المختلفة أي ما شاء الله تعالى عدم اقتتالهم ما اقتتلوا بأن جعلهم متفقين على الحق واتباع الرسل جاءوا به فمفعول المشيئة محذوف لكونه مضمون الجزاء على القاعدة المعروفة ومن قدر ولو شاء الله هدى الناس جميعا ما اقتتل الخ وعدل عما تقتضيه القاعدة ظنا بأن هذا العدم لا يحتاج إلى مشيئة وإرادة بل يكتفى فيه عدم تعلق الارادة بالوجود لم يأت شىء من بعد ما جاءتهم من جهة أولئك الرسل وقيل : الضمير عائد إلى الذين من قبلهم وهم الرسل المجرور متعلق باقتتل وقيل : بدل من نظيره مما قبله البينت أي المعجزات الباهرة والآيات الظاهرة الدالة على حقية الحق الموجبة للاتباع الزاجرة عن الاعراض المؤدى إلى الاقتتال ولكن اختلفوا استدراك إن الشرطية أشير به إلى قياس استثنائي مؤلف من وضع نقيض مقدمها منتج لنقض تاليها إلا أنه قد وضع فيه لاختلاف موضع نقيض المقدم المترتب عليه للايذان الاقتتال ناشئ من قبلهم وسوء اختيارهم لا من جهته تعالى ابتداءا كأنه قيل : ولكن لم يشأ عدم اقتتالهم لأنهم اختلفوا اختلافا فاحشا فمنهم من ءمن أي بما جاءت به أولئك الرسل وثبت على إيمانه وعمل بموجبه وهذا بيان للاختلاف فلا محل للجملة من الاعراب ومنهم من كفر بذلك كفرا لا اعواءله عنه فاقتضت الحكمة عدم مشيئته لعدم اقتتالهم فاقتتلوا بموجب ما اقتضته أحوالهم ولو شاء الله عدم اقتتالهم بعد هذه المرتبة أيضا من الاختلاف المستتبع للقتال عادة ما اقتتلوا وما رفعوا رأس التطاول والتعادى لما أن الكل بيد قهره فالتكرير ليس اتأكيد كما ظن بل للتنبيه على أن اختلافهم ذلك ليس كوجبا لعدم مشيئته تعالى لعدم اقتتالهم كما يفهم ذلك من وضعه في الاستدراك موضعه بل هو سبحانه مختار في ذلك حتى لو شاء بعد ذلك عدم اقتتالهم ما اقتتلوا كما يفصح عنه الاستدراك بقوله عز و جل : ولكن الله يفعل ما يريد
252
- حسبما يريد من غير أن يوجبه عليه موجب أو يمنعه عنه مانع كذا قرره المولى أبو السعود قدس سره وهو من الحسن بمكان إلا أنه قد اعترضه العلامة عبدالباقي البغدادي في تفسيره بنحو ما تقدم آنفا في نظير هذا القياس وذكر أنه خلاف استعمال لو عند أرباب العربية وأرباب الاستدلاك

الصفحة 3