كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 4)
لم يقصروا في المضارة والمضادة بل فعلوا كيت وكيت وقالوا كذا وكذا ومن هذا يعلم ما في تلك المقدرات وعلى كل من الاوجه الثلاثة يكون الضمير المجرور في قلوبهم عائدا إلى الكافرين وذكر القلوب مع أن الحسرة لا تكون إلا فيها لإرادة التمكن والإيذان بعدم الزوال
وجوز إبن تمجيد رجوع الضمير إلى المؤمنين واللام متعلقةبقالواحينئذ لا غير ووجه الآية بما يقضي منه العجب والله يحيى ويميت رد لقولهم الباطل إثر بيان غائلته أي والله هو المؤثر الحقيقي في الحياة والممات وحدة لا الإقامة أو السفر فإنه تعالى قد يحيى المسافر والغازي مع إقتحامهما موارد الحتوف ويميت المقيم والقاعد وإن كانا تحت ظلال النعيم وليس المراد أنه تعالى يوجد الحياة والممات وإن كان هو الظاهر لأن الكلام ليس فيه ولا يحصل به الرد وإنما الكلام في إحداث ما يؤثرهما وقيل : المراد أنه تعالى يحيى ويميت في السفر والحضر عند حضور الأجل ولا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر ولا راد لما قضى ولا محيص عما قدر وفيه منع المؤمنين عن التخلف في الجهاد لخشية القتل والواو للحال فلا يرد أنه لا يصح عطف الأخبار على الإنشاء
والله بما تعملون بصير 651 ترغيب في الطاعة وترهيب عن المعصية أو تهديد للمؤمنين على أن يماثلوا الكفار لأن رؤية الله تعالى كعلمه تستعمل في القرآن للمجازاة على المرئي كالمعلوم والمؤمنون وإن لم يماثلوهم فيما ذكر لكن ندمهم على الخروج من المدينة يقتضيه وقرأ إبن كثير وأهل الكوفةغير عاصميعملون بالياء وضمير الجمع حينئذ للكفار والعمل عام متناول للقول المذكور والمنشئه الذي هو الإعتقاد الفاسد ولما ترتب على ذلك من الأعمال ولذلك تعرض لعنوان البصر لا لعنوان السمع وإظهار الأسم الجليل لما مر غير مرة وكذا تقديم الظرف
هذا ومن باب الإشارة وكأين وكم من نبي مرتفع القدر جليل الشأن وهو في الأنفس الروح القدسية قاتل معه عدو الله تعالى أعني النفس الأمارة ربيون متخلفون بأخلاق الرب وهم القوى الروحانية فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وطريق الوصول إليه من تعب المجاهدات وما ضعفوا في طلب الحق وما أستكانوا وما خضعوا للسوى والله يحب الصابرين على مقاساة الشدائد في جهاد النفس وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا أغفر لنا ذنوبنا أستر لنا وجوداتنا بإفاضة أنوار الوجود الحقيقي علينا وإسرافنا في أمرنا أي تجاوزنا حدود ظاهر الشريعة عند صدمات التجليات وثبت أقدامنا في مواطن حروب أنفسنا وأنصرنا بتأييدك وإمدادك على القوم الكافرين الساترين لربوبيتك فآتاهم الله بسبب دعائهم بألسنة الإستعدادات والإنقطاع إليه تعالى ثواب الدنيا وهو مرتبة توحيد الأفعال وتوحيد الصفات وحسن ثواب الآخرة وهو مقام توحيد الذات والله يحب المحسنين في الطلب الذين لا يلتفتون إلى الأغيار ياأيها الذين آمنوا الإيمان الحقيقي إن تطيعوا الذين كفروا وهم النفوس الكافرة وصفاتها يردوكم على أعقابكم إلى أسفل سافلين وهو سجين البهيمية فتنقلبوا ترجعوا القهقري خاسرين أنفسكم بل الله مولاكم ناصركم وهو خير الناصرين لمن عول عليه وقطع نظره عمن سواه سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب أي الخوف بما أشركوا اي بسبب إشراكهم بالله ما لم ينزل به أي بوجوده سلطانا اي حجة إذ لا حجة على وجوده حتى ينزلها لتحقق عدمه بحسب ذاته وجعل سبحانه إلقاء الرعب في قلوبهم مسببا عن شركهم