كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 6)
على رسول الله صلى الله عليه و سلم بإجماع العارفين بحديثه لم يروه أحد من العلماء ولايوجد فى شىء كتب الحديث المعتمدة وقد نهى النبى صلى الله عليه و سلم : عن اتخاذ القبور مساجد ولعن على ذلك فكيف يتصور منه عليه الصلاة و السلام الأمر بالاستغافة والطالب من أصحابها ! سبحانك هذا بهتان عظيم
وعن أبى يزيد البسطامى قدس سره أنه قال : اسنغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون ومن كلام السجاد رضى الله تعالى عنه أن طلب المحتاج من المحتاج سفه فى رأيه وضلة فى عقله ومن دعاء موسى عليه السلام وبك المستغاث وقال صلى الله عليه و سلم لابن عباس رضى الله تعالى عنهما : إذا استعنت فاستعن بالله تعالى الخبر وقال تعالى : إياك نعبد وإياك نستعين
وبعد هذا كله أنا لاأرى بأسا فى التوسل إلى الله تعالى بجاه النبى صلى الله عليه و سلم عند الله تعالى حيا وميتا ويراد من الجاه معنى يرجع إلى صفة من صفاته تعالى مثل أن يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته فيكون معنى قول القائل : إلهى أتوسل بجاه نبيك صلى الله عليه و سلم أن تقضى لى حاجتى إلهى اجعل محبتك له وسيلة فى قضاء حاجتى ولافرق بين هذا وقولك : إلهى أتوسل برحمتك أن تفعل كذا إذ معناه أيضا آلهى إجعل رحمتك وسيلة فى فعل كذا بل لاأرى بأسا أيضا بالإقسام على الله تعالى بجاهه صلى الله عليه و سلم بهذا المعنى والكلام فى الحرمة كالكلام فى الجاه ولايجرى ذلك فى التوسل والإقسام بالذات البحث نعم لم يعهد التوسل بالجاه والحرمة عن أحد من الصحابة رضى الله تعالى عنهم
ولعل ذلك كان تحاشيا منهم عما يخشى أن يعلق منه فى أذهان الناس إذ ذاك وهم قريبو عهد بالتوسل بالأصنام شىء ثم اقتدى بهم من خلقهم من الائمة الطاهرين وقد ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم هدم الكعبة وتأسيسها على قواعد إبراهيم لكون القوم حديثى عهد بكفر كما ثبت ذلك فى الصحيح وهذا الذى ذكرته إنما هو لدفع الحرج عن الناس والفرار من دعوى تضليلهم كما بزعمه البعض فى التوسل بجاه عريض الجاه صلى الله عليه و سلم لا للميل إلى أن الدعاء كذلك أفضل من استعمال الأدعية المأثورة التى جاء بها الكتاب وصدحت بها ألسنة السنة فانه لايستريب منصف فى أن ماعلمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم ودرج عليه الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم وتلقاه من بعدهم القبول أفضل وأجمع وأنفع وأسلم فقد قيل ماقيل إن حقا وإن كذبا بقى ههنا أمران الأول إن التوسل بجاه غير النبى صلى الله عليه و سلم لابأسى به أيضا إن كان المتوسل بجاهه مما علم أن له جاها عند الله تعالى كالمقطوع بصلاحه وولايته وأما من لاقطع فى حقه بذلك فلا يتوسل بجاهه لما فيه من الحكم الضمنى على الله تعالى بما لم يعلم تحققه منه عز شأنه وفى ذلك جرأة عظيمة على الله تعالى الثانى إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحباء منهم والأموات وغيرهم مثل ياسيدى فلان أغثنى وليس ذلك من التوسل المباح فى شىء واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك وأن لايحوم حول حماه وقد عده أناس من العلماء شركا وأن لايكنه فهو قريب منه ولاأرى أحدا ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد أن المدعو الحى الغائب أو الميت المغيب يعلم الغيب أويسمع النداء ويقدر بالذات أو بالغير على جلب الخير ودفع الأذى وإلا لما دعاه ولافتح فاه وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم فالحزم والتجنب عن ذلك وعدم الطلب إلا من الله تعالى القوى الغنى الفعال لمايريد ومن وقف على سر مارواه الطبرانى فى مجمعه من أنه كان فى زمن النبى صلى الله عليه و سلم منافق يؤذى المؤمنين فقال الصديق رضى