كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 6)

واستشكل بأن التحريم كان فى التوراة ولم يكن حينئذ كفر بمحمد صلى الله عليه و سلم وعيسى عليه السلام ولا ماأشار اليه قواله تعالى : وبصدهم عن سبيل الله كثيرا
160
- أى ناسا كثيرا أو صدا أو زمانا كثيرا وقيل فى جوابه : إن المراد استمرار التحريم فتدبر ولاتغفل وهذا معطوف على الظلم وجعله وكذا ماعطف عليه فى الكشاف بيانا له وهو كما قال بعض المحققين لدفع مايقال : إن العطف على المعمول المتقدم ينافى الحصر ومن جعل الظلم وجعل بصدهم متعلقا بمحذوف فلا إشكال عليه ومن هذا يعلم تخصيص ماذكره أهل المعانى من أنه مناف للحصر بما إذا لم يكن الثانى بيانا للأول كما إذا قلت : بذنب ضربت زيدا وبسوء أدبه فان المراد فيه لابغير ذنب وكذا خصصوا ذلك بما إذا لم يكن الحصر مستفادا من غير التقديم وأعيدت الباء هنا ولم تعد قوله تعالى : وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه لأنه فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما ليس معمولا للمعطوف عليه وحيث فصل بمعموله لم تعد وجملة وقد نهوا حالية وفى الآية دلالة على أن الربا كان مححرما عليهم كما هو محرم علينا وأن النهى يدل على حرمة المنهى عنه وإلا لما توعد سبحانه على مخالفته وأكلهم أموال الناس بالباطل بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة وأعتدنا للكافرين منهم أى للمصرين على الكفر لا لمن تاب وآمن من بينهم كعبد الله بن سلام وأضرابه عذابا أليما
161
- سيذوقونه فى الآخرة كما ذاقوا فى الدنيا عقوبة التحريم وذكر فى البحر أن التحريم كان عاما للظالم وغيره وأنه من باب واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة دون العذاب ولذا قال سبحانه : للكافرين دون لهم وإلى ذلك ذهب الجبائى أيضا فتدبر لكن الراسخون فى العلم منهم استدراك من قوله سبحانه : وأعتدنا الخ وبيان لكون بعضهم على خلاف حالهم عاجلا وآجلا و منهم فى موضع الحال أى لكن الثابتون المتقنون منهم فى العلم المستبصرون فيه غير التابعين للظن كأولئك الجهلة والمراد بهم عبد الله بن سلام وأسيد وثعلبة وأضرابهم وفى المذكورين نزلت الآية كما أخرجه البيهقى فى الدلائل عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما والمؤمنون أى منهم واليه يشير كلام قتادة وقد وصفوا بالإيمان بعد ما وصفوا بماا يوجبه من الرسوخ فى العلم بطريق العطف المبنى على المغايرة بين المتعاطفين تنزيلا للاختلاف العنوانى منزلة الاختلاف العنوانى منزلة الاختلاف الذاتى كما مر وقوله سبحانه : يؤمنون بما أنزل اليك من القرآن وماأنزل من قبلك من الكتب على الأنبياء والرسل حال من المؤمنون مبنية لكيفية إيمانهم وقيل : اعتراض مؤكد لما قبله وقوله تعالى : والمقيمين الصلاة قال سيبويه وسائر البصريين : نصب على المدح وطعن فيه الكسائى بأن النصب على المدح إنما يكون بعد تمام الكلام وهنا ليس كذلك لأن الخبر سيأتى وأجيب بأنه لادليل على أنه لايجوز الاعتراض بين المبتدأ وخبره وحكى ابن عطية عن قوم منع نصبه على القطع من أجل حرف العطف لأن القطع لايكون فى العطف وإنما يكون فى النعوت ومن أدعى أن هذا من باب القطع فى العطف تمسك بما أنشده سيبويه للقطع مع حرف العطف من قوله : ويأوى إلى نسوة عطل وشعثا مراضيع مثل السعالى وقال الكسائى : هو مجرور بالعطف على ماأنزل اليك على أن المراد بهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

الصفحة 14