كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 6)
وقيل : استئناف مسوق لبيان أن عندهم مايغنيهم عن التحكيم وأنثت التوراة معاملة لها بعد التعريب معاملة الاسماء العربية الموازنة لها كموماة ودوداة ثم يتولون عطف على يحكمونك داخل فى حكم التعجيب لأنن التحكيم مع وجود مافيه الحق المعنى عن التحكيم وإن كان محلا للتعجب والاستبعاد لكن مع الإعراض عن ذلك أعجب و ثم للتراخى فى الرتبة وجوز الأجهورى كون الجملة مستأنفة غير داخلة فى حكم التعجيب أى ثم هم يتولون أى عادتهم فيما إذا وضح لهم من الحق أن يعرضوا ويتولوا والأول أولى وقوله سبحانه : من بعد ذلك أى من بعد أن يحكمونك تصريح بما علم لتأكيد الاستبعاد والتعجب وقوله عز و جل : وما أولئك بالمؤمنين
43
- تذييل مقرر لفحوى ماقبله ووضع اسم الاشارة موضع ضميرهم قصدا إلى إحضارهم فى الذهن بما وصفوا به من القبائح إيماءا إلى علة الحكم مع الإشارة إلى أنهم قد تميزوا بذلك عن غيرهم أكمل تميز حتى انتظموا فى سلك الأمور المشاهدة أى وماأولئك الموصوفون بماذكر بالمؤنين بكتابهم لإعراضهم عنه المنبىء عن عدم الرضا القلبى به أولا وعن حكمك الموافق له ثانيا أو بك وبه وقيل : هذا إخبار عن أولئك اليهود أنهم لايؤمنون بالنبى صلى الله عليه و سلم وبحكمه أصلا
وقيل : المعنى وماأولئك بالكاملين تهكما بهم إنا أنزلنا التوراة كلام مستأنف سيق لتقرير مزيد فظاعة حال أوالئك اليهود ببيان علو شأن التوراة على أتم وجه فيها هدى أى إرشاد للناس إلى الحق ونور أى ضياء يكشف به ماتشابه عليهم وأظلم قاله ابن عباس رضى الله تعالى عنه
وقال الزجاج : فيها هدى أى بيان للحكم الذى جاءوا يستفتون فيه النبى صلى الله عليه و سلم ونور أى بيان أن أمر النبى عليه الصلاة و السلام حق ولعل تعميم المهدى اليه كما فى كلام ابن عباس أولى ويندرج فيه اندراجا أوليا ماذكره الزجاج من الحكم وإطلاق النور على مافى التوراة مجاز ولعل إطلاقه على ذلك دون اطلاقه على القرآن بناءا على أن مقول بالتشكيك وقد يقال : إن اطلاقه على مابه بيان أمر النبى صلى الله عليه و سلم بناءا على ماقال الزجاج باعتبار كون الأمر المبين متعلقا بأول الأنوار الذى لولاه ماخلق الفلك الدوار صلى الله عليه و سلم وحينئذ يكون الفرق بين الاطلاقين مثل الصبح ظاهرا ولظرف خبر مقدم و هدى مبتدأ والجملة حال من التوراة أى كائنا فيها ذلك وكذا جملة يخكم بها النبيون فى قول إلا أنها حال مقدرة والأكثرون على أنها مستأنفة مبنية لرفعة رتبة التوراة وسمو طبقتها والمراد من النبيين من كان منهم من لدن موسى إلى عيسى عليهما السلام على مارواه ابن أبى حاتم عن مقاتل وكان بين النبيين عليهما السلام ألف نبى
وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن المراد بهم نبينا صلى الله عليه و سلم من قبله من أنبياء بنى إسرائيل عليهم السلام وعلى هذا بنى الاستدلال بالآية من قال : إن شرع من قبلنا شرع لنا مالم ينسخ وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر غير مرة والمراد يحكم بأحكامها النبيون الذين أسلموا صفة أجريت علىالنبيين كا قيل على سبيل المدح والظاهر لهم ونظر فيه ابن المنير بأن المدح إنما يكون غالبا بالصفات بالخاصة التى يتميز بها الممدوح عمن دونه والاسلام أمر عام يتناول أمم الانبياء ومتبعيهم كما يتناولهم ألا ترى أنه لايحسن فى مدح النبى صلى الله عليه و سلم أن يقتصر على كونه رجلا مسلما فان أقل متبعيه كذلك ثم قال : فالوجه والله تعالى أعلم