كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 6)

مجازا عن ذلك ولو جعل عليه العلم بمعناه المصدرى والباء للملابسة ويكون تأليفه بيانا لتلبسه لا للعلم نفسه صح لكن فيه تجوز من جهة أن التأليف ليس نفس التلبس بل أثره ويحتمل على هذا أن تكون الباء للاآلية كما يقال : فعله بعلمه إذا كان متقنا وعلى ماينبغى فيكون وصفا للقرآن بكمال الحسن والبلاغة وأما على الوجه الثانى والثالث فالعلم بمعناه أو فى الثالث بمعنى المعلوم والظرف حال من الفاعل أو المفعول ومتعلق العلم مختلف وهو أنك أهل لانزاله أو مصالح العباد وظاهر كلام أنه على الثانى حال من الفاعل وعلى الثالث من المفعول وجوز أن يكون مفعولا مطلقا مطلقا أى إنزالا متلبسا بعلمه وموقع الجملة على الأول موقع الجملة المفسرة لأنه بيان للشهادة على مانص عليه الزمخشرى وعلى الوجهين موقع التقرير والبيان للصلة وقيل : إنها فى الأوجه الثلاثة كالتفسير لأنزل اليك لأنها بيان لانزاله على وجه مخصوص وأما على الوجه الرابع فقد ضمن العلم بمعنى الرقيب والحافظ والظرف حال من الفاعل ويكون أنزله تكريرا ليعلق به ماعلق أو كما قيل ولم يعتبر بعضهم هذا الوجه لأنه لامساس له بهذا المقام وقيل : إن فيه تعظيما لأمر القرآن بحفظه من شياطين الجن المشعر بحفظه أيضا من شياطين الانس فتكون الجملة حينئذ كالتفسير للشهادة أيضا وقرىء نزله والملائكة يشهدون أيضا بما شهد الله تعالى به لانهم تبع له سبحانه فى الشهادة والجملة عطف على ماقبلها وقيل : حال من مفعول أنزله أى أنزله والملائكة يشهدون بصدقه وحقيته وجعل بعضهم شهادة الملائكة على صدقه صلى الله تعالى عليه وسلم فى دعواه باتيانهم لاعانته عليه الصلاة و السلام فى القتال ظاهرين كما كان فى غزوة بدر وأياما كان فيشهدون من الشهادة وذكر أنه على الوجهه الرابع من الشهود للحفظ وكفى بالله شهيدا
166
- على ماشهد به لك خيث نصب الدليل وأوضح السبيل وأزال الشبه وبالغ فى ذلك على وجه لايحتاج معه إلى شهادة غيره عز و جل
هذا ومن باب الاشارة فى الآيات لايحب الله الجهر بالسوء من القول أى لايحب أن ينتهك العبد ستره إذا صدرت منه هفوة إو اتفقت منه كبوة إلا من ظلم أى الاجهر من ظلمته نفسه برسوخ الملكات الخبيثة فيه فانه مأذون له باظهار مافيه من تلك الملكات وعرضها على أطباء القلوب ليصفوا له دواءها وقيل : لايحب الله تعالى إفشاء سر الربوبية وإظهار مواهب الالوهية او كشف القناع من مكنونات الغيب ومصونات غيب الغيب إلا من ظلم بغلبات الأحوال وتعاقب كؤوس الجلال والجمال فاضطر إلى المقال فقال باللسان الباقى لا باللسان الفانى أنا الحق وسبحانى ماأعظم شأنى وفى تسمية تلك الغلبة ظلما خفاء لايخفى
وفى ظاهر الآية بشارة عظيمة للمذنبين حيث بين سبحانه أنه لايرضى بهتك الستر إلا من المظلوم فكيف يرضى سبحانه من نفسه أن يهتك ستر العاصين وليسوا بظالميه جل جلاله وإنما ظالموا أنفسهم كما نطق بذلك الكتاب إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين اله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض هؤلاء قوم احتجبوا بالجمع عن التفصيل فأنكروا الرسل لتوهمهم وحدة منافية للكثرة وجمعا مباينا للتفصيل ومن هنا عطلوا الشرائع وأباحوا المحرمات وتركوا الصلوات ويريدون أن يتخذوا بين ذلك الايمان بالكل جمعا وتفصيلا والكفر بالكل سبيلا أى طريقا أولئك هم الكافرون المحجوبون حقا بذواتهم وصفاتهم لأن معرفتهم وهم وغلط وتوحيدهم زندقة وضلال ولقتل واحد منهم أنفع من قتل

الصفحة 20