كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 6)
والمقيمين الصلاة على أكمل وجه والمؤتون الزكاة ببذل قوامهم فى أصناف الطاعة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أى بالمبدأ والمعاد والمراد من المتعاطفات طائفة واحدة كما قدمنا أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما لايقادر قدره فيما أعد لهم من الجنات إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح الآية التشبيه على حد التشبيه فى قوله تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم على قول : رسلا مبشرين بتجليات اللطف ومنذرين بتجليات القهر لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل أى لئلا يكون لهم ظهور وسلطنة بعد مامحى ذلك بامداد الرسل وكان الله عزيزا فيمنحو صفاتهم ويفنى ذواتهم حكيما فيفيض عليهم من صفاته ويبقيهم فى ذاته حسبما تقتضيه الحكمة لكن الله يشهد بما أنزل اليك لتجليه فيه سبحانه أنزله بعلمه أى متلبسا بعلمه المحيط الذى لايعزب عنه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض
ومن هنا علم صلى الله تعالى عليه وسلم ماكان وماهو كائن والملائكة هم أصحاب النفوس القدسية يشهدون أيضا لعدم احتجابهم وكفى بالله شهيدا لانه الجامع ولاموجود غيره والله تعالى الموفق للصواب
إن الذين كفروا بما أنزل اليك أو بكل مايجب الايمان به ويدخل ذلك فيه دخولا أوليا والمراد بهم اليهود وكأن الجملة لبيان حكم الله سبحانه فيهم بعد بيان حالهم وتعنتهم وصدوا عن سبيل الله أى دين الاسلام من أراد سلوكه بانكارهم نعت النبى صلى الله عليه و سلم وقولهم : لانعرفه فى كتابنا وأن شريعة موسى عليه السلام لاتنسخ وأن الانبياء لايكونون إلا من أولاد هارون وداود عليما السلام
وقرىء صدوا بالبنا ء للمفعول قد أضلوا بالكفر والصد ضلالا بعيدا 167 لانهم جمعوا بين الضلال والاضلال ولان المضل يكون أقوى وأدخل فى الضلال وأبعد عن الاقلاع عنه إن الذين كفروا بما ذكر آنفا وظلموا محمدا صلى الله عليه و سلم بانكار نبوته وكتمان نعوته الجليلة أو الناس بصدهم لهم عن الصراط المستقيم والمراد ان الذين جمعوا بين الكفر وهذا النوع من الظلم
لم يكن الله ليغفر لهم لاستحالة تعلق المغفرة بالكافر والآية فى اليهود على الصحيح وقيل : إنها فى المشركين وماقبلها فى اليهود وزعم بعضهم أن المراد من الظلم ماليس بكفر من سائر أنواع الكبائر وحمل الآية على معنى إن الذين كان بعضهم كافرين وبعضهم ظالمين أصحاب كبائر لم يكن الخ ولايخفى أن ذلك عدول عن الظاهر لم يدع اليه إلا اعتقاد أن العصاة مخلدون فى النار تخليد الكفار والآية تنبو عن هذا المعتقد فانه قد جعل فيها الفعلان كلاهما صلة للموصول فيلزم وقوع الفعلين جميعا من كل واحد آحاده ألا تراك إذا قلت : الزيدون قاموا فقد أسندت القيام إلى كل واحد من آحاد الجمع فكذلك لو عطفت عليه فعلا آخر لزم فيه ذلك ضرورة وسياق الآية أيضا يأبى ذلك المعنى لكن لم يزل ديدن المعتزلة اتباع الهوى فلا يبالون بأى واد وقعوا ولاليهديهم طريقا
168
- إلاطريق جهنم لعدم استعدادهم للهداية الى الحق والاعمال الصالحة التى هى طريق الجنة والمراد من الهداية المفهومة من الاستثناء بطريق الإسارة كما قال غير واحد : خلقه سبحانه لاعمالهم السيئة المؤدية لهم إلى جهنم حسب استعدادهم أو سوقهم إلى جهنم يوم القيامة بواسطة الملائكة وذكر بعضهم أن التعبير بالهداية تهكم إن لم يرد بها مطلق الدلالة والطريق على عمومه والاستثناء متصل
الصفحة 22
218