كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 6)
كما اختاره أبو البقاء وغيره وجوز السمين أن يراد بالطريق شىء مخصوص وهو العمل الصالح والاستثناء منقطع خالدين فيها حال مقدرة من الضمير المنصوب لأن الخلود يكون بعد إيصالهم إلى جهنم ولو قدر يقيمون خالدين لم يلتئم وقيل : يمكن أن يستغنى عن جعله حالا مقدرة بأن هذا من الدلالة الموصولة إلى جهنم أو الدلالة إلى طريق يوصل اليها فهو حال عن المفعول باعتبار الايصال لا الدالة فتدبر وقوله تعالى : أبدا نصب على الظرفية رافع احتمال أن يراد بالخلود المكث الطويل وكان كذلك أى انتفاء غفرانه وهدايته سبحانه إياهم وطرحهم فى النار إلى الأبد على الله يسيرا
169
- سهلا لاصارف له عنه وهذا تحقير لامرهم وبيان لأنه تعالى لايعبأ بهم ولايبالى ياأيها الناس خطاب لجميع المكلفين بعد أن حكى سبحانه لرسوله صلى الله عليه و سلم تعلل اليهود بالاباطيل واقتراحهم الباطل تعنتا ورد جل شأنه عليهم بما ورد وأكد ذلك بما أكد وفى توجيه الخطاب اليهم وأمرهم بالايمان مشفوعا بالوعيد والوعيد بعد تنبيه على أن المحجة قد وضحت والحجة قد لزمت فلم يبق لأحد عذر فى القبول وقيل : الخطاب لأهل مكة لأن الخطاب ياأيها الناس أينما وقع لهم ولايخفى أن التعميم أولى وما ذكر فى حيز الاستدلال وإن روى عن بعض السلف أغلبى وقيل : هو للكفار مطلقا إبقاءا للامر على ظاهره ولم يحتج إلى حمله على مايعم الأحداث والثبات قد جاءكم الرسول يعنى به محمدا صلى الله عليه و سلم وإيراده عليه الصلاة و السلام بعنوان الرسالة لتأكيد وجوب طاعته بالحق أى متلبسا به وفسر بالقرآن وبدين الاسلام وبشهادة التوحيد وجوز أن تكون الباء للتعدية أو للسببية متعلقة بحاء أى جاءكم بسبب إقامة الحق وقوله سبحانه : من ربكم متعلق إما بالفعل أيضا أو بمحذوف وقع حالا من الحق : أى جاءكم به من عند الله تعالى أو كائنا منه سبحانه والتعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة إلى ضمير المخاطبين للايذان بأن ذلك لتربيتهم وتبليغهم إلى كمالهم اللائق بهم ترغيبا لهم فى الامتثال لما بعد من الأمر كما أن فى ذكر الجملة تمهيدا لما يعقبها من ذلك وقيل : إنها تكرير للشهادة وتقرير للمشهود به وتمهيد لما ذكر فآمنوا أى بالرسول صلى الله عليه و سلم وبما جاء به من الحق والفاء للدلالة على إيجاب ماقبلها لما بعدها وقوله سبحانه : خيرا لكم منصوب بفعل محذوف وجوبا تقديره وافعلوا أو ائتوا خيرا لكم وإلى هذا ذهب الخليل وسيبويه وذهب الفراء إلى أنه نعت لمصدر محذوف أى إيمانا خيرا لكم وأورد عليه أنه يقتضى أن الإيمان ينقسم إلى خير وغيره ودفع بأنه صفة مؤكده وأن مفهوم الصفة قد لايعتبر وعلى القول باعتباره قد يقال : إن ذكره تعريض بأهل الكتاب فان لهم إيمانا ببعض مايجب الايمان به كاليوم الآخر مثلا إلا أنه ليس خيرا حيث لم يكن على الوجه المرضى
وذهب الكسائى وأبو عبيد الى أنه خبر كان مضمرة والتقدير يكن الايمان خيرا لكم ورد بأن كان لاتحذف مع اسمها دون خبرها إلا فى مواضع اقتضته وأن المقدر جواب شرط محذوف فيلزم حذف الشرط وجوابه إذ التقدير إن تؤمنوا يكن الايمان خيرا وأجيب بأن تخصيص حذف كان واسمها فى مواضع لايسلمه هذا القائل وبأن لزوم حذف الشرط وجوابه مبنى على أن الجزم بشرط مقدر وإن قلنا : بأنه بنفس الأمر وأخواته كما هو مذهب لبعض النحاة لم يرد ذلك ونقل مكى عن بعض الكوفيين أنه منصوب على
الصفحة 23
218