كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 6)
على الاصل وأصل تعدوا فى القراءة المشهورة تعدووا بواوين الأولى واو الكلمة والثانية ضمير الفاعل فاستثقلت الضمة على لام الكلمة فحذفت فالتقى ساكنان فحذف الأول وهو الواو الاولى وبقى ضمير الفاعل وأخذنا منهم ميثاقا غليظا
154
- أى عهدا وثيقا مؤكدا بأن يأتمروا بأوامر الله تعالى وينتهوا عن مناهيه قيل : هو قولهم : سمعنا وأطعنا وكونه ميثاقا ظاهر وكونه غليظا يؤخذ من التعبير بالماضى أو من عطف الاطاعة على السمع بناءا على تفسيره بها وفى أخذ ذلك مماذكر خفاء لايخفى وحكى أنهم بعد أن قبلوا ماكلفوا به ممن الدين أعطوا الميثاق على أنهم إن هموا بالرجوع عنه فالله تعالى يعذبهم بأى أنواع العذاب أراد فان صح هذا كانت وكادة الميثاق فى غاية الظهور وزعم بعضهم أن هذا الميثاق هو الميثاق الذى أخذه الله تعالى على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالتصديق بمحمد صلى الله عليه و سلم والايمان به وهو المذكور فى قوله تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم الاية وكونه غليظا باعتبار أخذه من كل نبى نبى من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأخذ كل واحد واحد له من أمته فهو ميثاق مؤكد متكرر ولايخفى أنه خلاف الظاهر الذي يقتضيه السياق فبما نقضهم ميثاقهم فى الكلام مقدر والجار والمجرور متعلق بقدر أيضا والباء للسببية ومامزيد لتوكيدها والإشارة إلى أنها سببية قوية وقد يفيد ذلك الحصر بمعونة المقام كما يفيده التقديم على العامل إن التزم هنا وجوز أن تكون ما نكرة تامة ويكون نقضهم بدلا منهما أى فخالفوا ونقضوا ففعلنا بهم ما فعلنا بنقضهم وان شئت أخرت العامل
واختار أبوحيان عليه الرحمة تقدير لعناهم مؤخرا لوردوه مصرحا به كذلك فى قوله تعالى : فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجوز غير واحد تعلق الجار بحرمنا الآتى على أن قوله تعالى : فبظلم بدل من قوله سبحانه : فبما نقضهم واليه ذهب الزجاج وتعقبه فى البحر بأن فيه بعدا لكثرة الفواصل بين البدل والمبدل منه ولأن المعطوف على السبب سبب فيلزم تأخر بعض أجزاء السبب الذي للتحريم عن التحريم فلايمكن أن يكون جزء سبب أو سببا إلا بتأويل بعيد وبيان ذلك إن قولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم إنا قتلنا المسيح متأخر فى الزمان عن تحريم الطيبات عيهم واستحسنه السفاقسى ثم قال : وقد يتكلف لحله بأن دوام التحريم فى كل زمن كابتدائه وفيه بحث وجعل العلامة الثانى الفاء فى فبظلم على هذا التقدير تكرارا للفاء فى فبما نقضهم عطفا على أخذنا منهم أو جزاء شرط مقدر واستبعده أيضا من وجهين : لفظى ومعنوى وبين الأول بطول الفصل وبكونه من إبدال الجار والمجرور مع حرف العطف أو الجزاء مع القطع بأن المعمول هو الجار والمجرور فقط والثانى بدلالته على أن تحريم بعض الطيبات مسبب عن مثل هذه الجرائم العظيمة ومترتب عليه ثم قال : ولو جعلت الفاء للعطف على فبما نقضهم كمافى قولك : بزيد وحسنه أو فبحسنه أو ثم حسنه افتتنت لم يحتج إلى جعله بدلا وجوز أبو البقاء وغيره التعلق بمحذوف دل عليه قوله تعالى : بل طبع الله عليها بكفرهم ورد بأن ذلك لايصلح مفسرا ولاقرينة للمحذوف أما الأول فلتعلقه بكلام آخر لأنه رد وإنكار لقولهم قللوبنا غلف وأما الثانى فلأنه استطراد يتم الكلام دونه وكونه قرينة لما هو عمدة فى الكلام يوجب أن لايتم دونه
والحاصل أنه لابد للقرينة من التعلق المعنوى بسابقتها حتى تصلح لذلك ومنه يعلم أنه لامورد للنظر بأن الطبعين
الصفحة 8
218