كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 7)

للنبي صلى الله عليه و سلم على معنى ينهون عن أذيته عليه الصلاة و السلام ولا يؤمنون به
أخرج ابن ابي حاتم عن سعيد بن هلال أنه قال : ان الآية نزلت في عمومة النبي صلى الله عليه و سلم وكانوا عشرة وكانوا أشد الناس معه في العلانية وأشد الناس عليه عليه الصلاة و السلام في السر وقيل ضمير الجمع لأبي طالب وحده وجمع استعظاما لفعله حتى كأنه مما لا يستقل به واحد وقيل : إنه نزل منزلة أفعال متعددة فيكون كقوله : قفا عند المازني ولا يخفى بعده وروى هذا القول جماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا
وروي عن مقاتل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان عند ابي طالب يدعوه للاسلام فاجتمعت قريش اليه يديدون سوءا بالنبي صلى الله عليه و سلم فقال منشدا : والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر وقر بذاك منك عيونا ودعوتني وزعمت انك ناصح ولقد صدقت وكنت ثم امينا وعرضت دينا لا محالة انه من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذاري سبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا فنزلت هذه الآية وفيها على هذا القول والذي قبله التفات ورد الامام القول الأخير بان جميع الآيات المتقدمة في ذم فعل المشركين فلا يناسبه ذكر النهي عن أذيته عليه الصلاة و السلام وهو غير مذموم ونظر فيه بأن الذم بالمجموع من حيث هو مجموع وبهذه الآية على هذه الرواية استدل بعض من ادعى أن أبا طالب لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه و سلم وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق هذا المطلب في موضعه
والنأي لازم يتعدى بعن كما في الآية ونقل عن الواحدي أنه سمع تعديته بنفسه عن المبرد وأنشد : أعاذل إن يصبح صدى بقفرة بعيدة نآني زائري وقريبي وخرجه البعض على الحذف والايصال ولا يخفى ما في ينهون وينأون من التجنيس البديع وقريء وينون عنه وإن يهلكون أي وما يهلكون بذلك إلا أنفسهم بتعريضها لأشد العذاب وأفظعه وهو عذاب الضلال والأضلال وقوله تعالى : وما يشعرون
62
- حال من ضمير يهلكون أي يقصرون الاهلاك على أنفسهم والحال أنهم غير شاعرين لا باهلاكهك أنفسهم ولا باقتصار ذلك عليها من غير أن يضروا بذلك شيئا من القرآن أو النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وإنما عبر عنه بالاهلاك مع أن المنفي عن غيرهم مطلق الضرر للايذان بان ما يحيق بهم هو الهلاك لا الضرر المطلق على أن مقصدهم لم يكن مطلق الممانعة فيما ذكروا بل كانوا يبغون الغوائل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الذي هو نظام عقد لآليء الآيات القرآنية
وجوز أن يكون الأهلاك معتبرا بالنسبة إلى الذين يضلونهم بالنهي فقصره على أنفسهم حينئذ مع شموله للفريقين مبني على تنزيل عذاب الضلال عند عذاب الاضلال منزلة العدم ونفي الشعور على ما في البحر أبلغ من نفي العلم كأنه قيل : وما يدركون ذلك أصلا ولو ارى إذ وقفوا على النار شوروع في حكاية ما سيصدر

الصفحة 127