كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 7)
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المائدة لتجدن أشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذي أشركوا جملة مستأنفة مسوقة لتقرير ما قبلها من قبائح اليهود وأكدت بالقسم اعتناء ببيان تحقق مضمونها والخطاب إما لسيد المخاطبين صلى الله عليه و سلم وإما لكل أحد يصلح له إيذانا بأن حالهم مما لاتخفى على أحد من الناس والوجدان متعد لأثنين أولهما أشد وثانيهما اليهود وما عطف عليه كما قال ابو البقاء وأختار السمين العكس لأنهما في الأصل مبتدأ وخبر ومحط الفائدة هو الخبر ولاضير في التقديم والتأخير إذا دل على الترتيب دليل وهو هنا واضح إذ المقصود بيان مون الطائفتين أشد الناس عداوة للمؤمنين لأكون أشدهم عداوة لهم الطائفتين المذكروتين فليفهم و عداوة تمييز واللام الداخلة على الموصوله متعلقة بها مقوية لعملها ور يضر كونها منثة بالتاء لأنها مبنية عليه كرهبة عقابك وجوز ابو البقاء والسمين تعلقها بمحذوف وقع صفة لها أي عداوة كائنة للذين آمنوا والظاهر أن المراد من اليهود العموم لمن كان بحضرة الرسول صلى الله عليه و سلم من يهود المدينة وغيرهم ويؤيده ما أخرجه ابو الشيخ وابن مردويه عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما خلا يهودي بمسلم إلا هم بقتله وفي لفظ إلا حدث نفسه بقتله وقيل : المراد بهم يهود المدينة وفيه بعد وكما اختلف في عموم اليهود أختلف في عموم الذين اشركوا والمراد من الناس كما قال ابو حيان الكفار أي لتجدن أشد الكفار عداوة هؤلاء ووصفهم سبحانه بذلك لشدة شكيمتهم وتضاعف كفرهم وانهماكهم في اتباع الهوى وقربهم إلى التقليد وبعدهم عن التحقيق وتمرنهم على التمرد والاستعصاء على الأنبياء عليهم السلام والاجتراء على تكذيبهم ومناصبتهم وقد قيل : إن من مذهب اليهود أنه يجب عليهم إيصال الشر إلى من يخالفهم في الدين بأي طريق كان وفي تقديم اليهود على المشركين إشعار بتقدمهم عليهم في العداوة كما أن في تقديمهم عليهم في قوله تعالى ولتجدن أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا إيذانا بتقدمهم عليهم في الحرص وقيل : التقديم لكون الكلام في تعديد قبائحهم ولعل التعبير بالذين أشركوا دون المشركين مع أنه اخصر للمبالغة بالذم وقيل : ليكون على نمط الذين شمنوا والتعبير به دون المؤمنين لأنه أظهر في علية ما في حيز الصلة وأعيد الموصول مع صلته في قوله تعالى ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا روما لزيادة التوضيح والبيان والتعبير بقوله سبحانه وتعالى الذين قالوا إنا نصارى دون النصارى إشعارا بقرب مودتهم حيث يدعون أنهم أنصار الله تعالى وأوداء أهل الحق وإن لم يظهر اعتقاد حقية الاسلام
وقال ابن المنير : لم يقل سبحانه النصارى كما قال جل شأنه اليهود تعريضا بصلابة الأولين في الكفر والامتناع عن الانقياد لأن اليهود لما قيل لهم : ادخلوا الأرض المقدسة قالوا إدهب أنت وربك فقاتلا والنصارى لما قيل
الصفحة 2
264