كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 7)

وانقادوا لهم وخلقهم وخرقوا وافتروا له بنين من العقول وبنات من النفوس يعتقدون أنها لتجردها مؤثرة مثله بغير علم منهم أنها أسماؤه وصفاته لا تؤثر إلا به جل شأنه سبحانه وتعالى عنا يصفون من تقيده بما قيدوه به جل شأنه لاتدركه الابصار قال الشيخ الأكبر قدس سره في الباب الحادي والعشرين وأربعمائة : يعني من كل عين من أعين الوجوه واعين القلوب فان القلوب ما ترى إلا بالبصر وأعين الوجوه لاترى الا بالبصر فالبصر حيث كان به يقع الادراك فيسمى البصر في العقل عين البصيرة ويسمى في الظاهر بصر العين والعين في الظاهر محل البصر والبصيرة في الباطن محل للعين الذي هو بصر في عين الوجه فاختلف الاسم عليه وما اختلف هو في نفسه فكما لا تدركه العيون بابصارها لا تدركه البصائر باعينها وورد في الخبر عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله تعالى احتجب ن العقول لكما احتجب عن الابصار وأن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم فاشتركنا في الطلب مع الملأ الأعلى واختلفنا في الكيفية فمنا من يطلبه بفكره والملأ الأعلى له العقل وماله الفكر ومنا من يطلبه به وليس في الملأ الأعلى من يطلبه به لأن الكامل منا هو على الصورة الألهية التي خلقه الله تعالى عليها فلهذا يصح ممن هذه صفته أن يطلب الله تعالى به ومن طلبه به وصل اليه فانه لم يصل اليه غيره وأن الكامل منا له نافلة تزيد على فرائضه إذا تقرب العبد بها إلى ربه أحبه فاذا أحبه كان سمعه وبصره فاذا كان الحق بصر مثل هذا العبد رآه وأدركه ببصره لأن بصره الحق فما أدركه إلا به لا بنفسه وما ثم ملك يتقرب إلى الله تعالى بنافلة بل ههم في الفرائض وفرائضهم قد استغرقت أنفاسهم فلا نفل عندهم فليس لهم مقام ينتج أن يكون الحق بصرهم حتى يدركوه به فهم عبيد اضطرار ونحن عبيد اضطرار من فرائضنا وعبيد اختيار من نوافلنا إلى آخر ما قال وهو صريح في أن بعض الأبصار تدركه لكن من حيثية رفع الغيرية وقال في الباب الرابع عشر وأربعمائة بعد أن أنشد : من رأى الحق كفاحا علنا إنما أبصره خلف حجاب وهو لا يعرفه وهو به إن هذا لهو الأمر العجاب كل راء لا يرى غير الذي هو فيه من نعيم وعذاب صورة الرائي تجلت عنده وهو عين الراء بل عين الحجاب فاذا رآه سبحانه الرائي كفاحا فما يراه الا حتى يكون الحق جل جلاله بصره فيكون هو الرائي نفسه ببصره في صورة عبده فاعطته الصورة المكافحة إذا كانت الحاملة للبصر ولجميع القوى الخ وقال في الباب الحادي وأربعمائة بعد أن أنشد : قد استوى الميت والحي في كونهم ما عندهم شي مني فلا نور ولا ظلمة فيهم ولا ظل ولا في رؤيتهم لي معدومة فنشرهم في كونهم طي وفهمهم إن كان معناهم عنه إذا حققته غي إن كل مرئي لا يرى الرائي إذا رآه منه إلا قدر منزلته ورتبته فما رآه وما رأى إلا نفسه ولولا ذلك ما تفاضلت الرؤية في الرائين إذ لو كان هو المرئي ما اختلفوا لكن لما كان هو سبحانه مجلي رؤيتهم أنفسهم لذلك وصفوه بأنه جل شأنه يتجلى ولكن شغل الرائي برؤية نفسه في مجلى الحق حجبه عن رؤية الحق فلو لم تبد للرائي سورته أو صورة كون من الأكوان ربما كان يراه فما حجبنا عنه إلا رؤية نفوسنا فيه فلو زلنا عنا ما رأيناه لأنه ما كان يبقى بزوالنا من يراه وان نحن لم نزل فما نرى إلا نفوسنا فيه وصورنا وقدرنا ومنزلتنا فعلى كل حال ما رأيناه وقد نتوسع فنقول : قد رأيناه ونصدق كما أنه

الصفحة 258