كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 7)

إلى الثوب قيدته وعند محمود يجزيء صغار النعم لأن الصحابة كما تقدم أوجبوا عناقا وجفرة فدل على جواز ذلك في باب الهدي وعن ابي يوسف روايتان رواية كقول الامام وأخرى كقول محمد وهي التي في المبسوط والاسرار وغيرهما وعند أبي حنيفة يجوز الصغار على وجه الاطعام فيجوز أن يكون حكم الصحابة رضي الله تعالى عنهم كان على هذا الاعتبار فمجرد فعلهم حينئذ لا ينافي ما ذهب اليه الامام فلا ينتهض حجة عليه
وإذا اختار الهدي وبلغ ما يضحى به فلا يذبح إلا بالحرم وهو المراد بقوله تعالى : هديا بالغ الكعبة إلا أن ذكر الكعبة للتعظيم ولو ذبحه في الحل لا يجزيه عن الهدي بل عن الاطعام فيشترط أن يعطي كل مسكين قيمة نصف صاع حنطة أو صاع من غيرهما ويجوز أن يتصدق بالشاة الواقعة هديا على مسكين واحد كما في هدي المتعة ولا يتصدق بشيء من الجزاء على من لا تقبل شهادته له ويجوز على أهل الدمة والمسلم أحب ولو أكل من الجزاء غرم قيمة ما أكل ولا يشترط في الاطعام أن يكون في الحرم
ونقلوا عن الشافعي أنه يشترط ذلك اعتبارا له بالهدي والجامع التوسعة على سكان الحرم ونحن نقول : الهدي قربة غير معقولة فيختص بمكان أو زمان أما الصدقة فقربة معقولة في كل زمان ومكان كالصوم فانه يجوز في غير الحرم بالاجماع فان ذبح في الكوفة مثلا أجزاه عن الطعام إذا تصدق باللحم وفيه وفاء بقيمة الطعام لأن الاراقة لاتنوب عنه ولو سرق هذا المذبوح أو ضاع قبل التصدق به بقي الواجب عليه كما كان وهذا بخلاف ما لو كان الذبح في الحرم حيث يخرج عن العهدة وإن سرق المذبوح أو ضاع قبل التصدق به و إذا وقع الاختيار على الطعام يقوم المتلف بالقيمة ثم يشترى بالقيمة طعام ويتصدق به على ما أشرنا اليه أولا وفي الهداية يقوم المتلف بالطعام عندنا لأن المضمون فتعتبر قيمته
ونقل حميد الدين الضرير عن محمد أنه يقوم النظير لأنه الواجب عينا إذا كان للمقتول نظير وأنت تعلم أنه لو سلم أن النظير هو الواجب عينا عند اختيار الهدي لم يلزم منه وجوب تقديمه عند اختيار خصلة أخرى فكيف وهو ممنوع وإن اختار الصيام فعلى ما في الهداية يقوم المقتول طعاما ثم يصوم عن طعام كل مسكين يوما على ما مر لأن تقدير الصيام بالمقتول غير ممكن إذ لاقيمة للصيام فقدرناه بالطعام والتقدير على هذا الوجه معهود في الشرع كما في الفدية وتمام البحث في الفروع والكفارة والطعام في الآية على ما يشعر به كلام بعض المفسرين بالمعنى المصدري ولو أبقيا على الظاهر لصح هذا وما ذكرنا من عطف كفارة إنما هو على قراءة جزاء بالرفع وعلى سائر القراءات يكون خبر مبتدأ محذوف والجملة معطوفة على جملة من النعم
وذكر الشهاب أنه يجوز في كفارة على قراءة جزاء بالنصب أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي الواجب عليه كفارة وأن يقدر هناك فعل أي أن يجزيء جزاء فيكون أو كفارة عطفا على أن يجزيء وهو مبتدأ مقدم عليه خبره وفريء أو كفارة طعام مساكين على الاضافة لتبيين نوع الكفارة بناء على أنها بمعنى المكفر به وهي عامة تشمل الطعام وغيره وكذا الطعام يكون كفارة وغيرها فبين المتضايفين عموم وخصوص من وجه كخاتم حديد وقال ابو حيان : إن الطعام ليس جنسا للكفارة إلا بتجوز بعيد جدا فالاضافة إنما هي إضافة الملابسة وليس بشيء
وقرأ الأعرج أو كفارة طعام مساكين على أن التبيين يحصل بالواحد الدال على الجنس وقريء أو عدل

الصفحة 28