كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 9)

بل لايكاد يدعيها منصف وإذا تتلى عليهم ءاياتنا التي لو أنزلناها على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا قائله النضر بن الحرث من بني عبدالدار على ما عليه جمهور المفسرين وكان يختلف إلى أرض فارس والحيرة فيسمع أخبارهم عن رستم واسفنديار وكبار العجم وكان يمر باليهود والنصارى فيسمع منهم التوراة والإنجيل وإسناد القول إلى ضمير الجمع من إسناد فعل البعض إلى الكل لما أن اللعين كان رئيسهم وقاضيهم الذي يقولون بقوله ويعملون برأيه
وقيل : قاله الذين ائتمروا في أمره عليه الصلاة و السلام في دار الندوة وأيا ما كان فهو غاية المكابرة ونهاية العناد إذ لو إستطاعوا شيئا من ذلك فما منعهم من المشيئة وقد تحداهم عليه الصلاة و السلام وقرعهم بالعجز عشر سنين ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا بما سواه مع أنفتهم وإستنكافهم أن يغلبوا لا سيما في ميدان البيان فإنهم كانوا فرسانه المالكين لأزمته الحائزين قصب السبق به
واشتهر أنهم علقوا القصائد السبعة المشهورة على باب الكعبة متحدين بها لكن تعقب 1 أن ذلك مما لا أصل له وإن اشتهر وزعم بعضهم أن هذا القول كان منهم قبل أن ينقطع طمعهم عن القدرة على الإتيان بمثله وليس بشيء إن هذا إلا أساطير الأولين
13
- جمع أسطورة على ما قاله المبرد كأحدوثة وأحاديث ومعناه ما سطر وكتب وفي القاموس الأساطير الأحاديث لا نظام لها جمع اسطار وإسطير وأسطور وبالهاء في الكل وأصل السطر الصف من الطيء كالكتاب والشجر وغيره وجمعه أسطر وسطور وأسطار وجمع الجمع أساطير ويحرك في الكل وقال بعضهم : إن جمع سطر بالسكون أسطر وسطور وجمع سطر اسطار واساطير وهو مخالف لما في القاموس والكلام على التشبيه وأرادوا ما هذا إلا كقصص الأولين وحكاياتهم التي سطروها وليس كلام الله تعالى وكأنه بيان لوجه قدرتهم على قول مثله لو شاءوا
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم قائل هذا النضر أيضا على ما روي عن مجاهد وسعيد بن جبير وجاء في رواية أنه لما قال أولا ما قال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : ويلك إنه كلام الله تعالى فقال ذلك وأخرج البخاري والبيهقي في الدلائل عن أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنهما أنه أبو جهل بن هشام وأخرج ابن جرير عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيس أن قريشا قال بعضها لبعض أكرم الله تعالى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم من بيننا اللهم إن كان هذا هو الحق الخ وهو أبلغ في الجحود من القول الأول لأنهم عدوا حقيته محالا فلذا علقوا عليها طلب العذاب الذي لا يطلبه عاقل ولو كانت ممكنة لفروا من تعليقه عليها وما يقال : ان أن للخلو عن الجزم فكيف استعملت في صورة الجزم أجاب عنه القطب بأنها العدم الجزم بوقوع الشرط ومتى جزم بعدم وقوع عدم الجزم بوقوعه وهذا كقوله تعالى : وإن كنتم في ريب وفيه بحث ذكره العلامة الثاني واللام في الحق قيل للعهد ومعنى العهد فيه أنه الحق الذي ادعاه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو أنه كلام الله تعالى المنزل عليه عليه الصلاة و السلام على النمط المخصوص ومن عندك ان سلم دلالته عليه فهو للتأكيد وحينئذ فالمعلق به كونه حقا بالوجه الذي

الصفحة 199