كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 9)

فآواكم إلى حظائر قدسه وأيدكم بنصره بالواردات الربانية ورزقكم من الطيبات وهي تجلياته سبحانه يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله بترك الإيمان والرسول بترك التخلق بأخلاقه عليه الصلاة و السلام وتخونوا أماناتكم وهي ما رزقكم الله تعالى من القدرة وسلامة الآلات بترك الأعمال الحسنة أو لا تخونوا الله تعالى بنقض ميثاق التوحيد الفطري السابق والرسول عليه الصلاة و السلام بنقض العزيمة ونبذ العقد اللاحق وتخونوا أماناتكم من المعارف والحقائق التي إستودع الله تعالى فيكم حسب إستعدادكم بإخفائها بصفات النفس وأنتم تعلمون قبح ذلك أو تعلمون أنكم حاملوها واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة يختبركم الله تعالى بها ليرى أتحتجبون بمحبتها عن محبته أو لا تحتجبون وأن الله عنده أجر عظيم لمن لا يفتتن بذلك ولا يشغله عن محبته يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله بالإجتناب عن الخيانة والإحتجاب بمحبة الأموال والأولاد يجعل لكم فرقانا نورا تفرقون به بين الحق والباطل وربما يقال : إن ذلك إشارة إلى نور يفرقون به بين الأشياء بأن يعرفوها بواسطته معرفة يمتاز بها بعضها عن بعض وهو المسمى عندهم بالفراسة وفي بعض الآثار اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور من نور الله تعالى ويكفر عنكم سيآتكم وهي صفات نفوسكم ويغفر لكم ذنوب ذواتكم والله ذو الفضل العظيم فيجعل لكم الفرقان ويفعل ويفعل وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية جعلها بعضهم خطابا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومعناها ما ذكرناه سابقا وجعلها بعضهم خطابا للروح وهو تأويل أنفسي أي وإذ يمكر بك أيها الروح الذين كفروا وهي النفس وقواها ليثبتوك ليقيدوك في أسر الطبيعة أو يقتلوك بإنعدام آثارك أو يخرجوك من عالم الأرواح وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم لأنك رحمة للعالمين وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون إذ لا ذنب مع الإستغفار ولا عذاب من غير ذنب وما لهم ألا يعذبهم الله أي أنهم مستحقون لذلك كيف لا وهم يصدون المستعدين عن المسجد الحرام الذي هو القلب بإغرائهم على الأمور النفسانية واللذات الطبيعية وما كانوا أولياءه لغلبة صفات أنفسهم عليهم إن أولياؤه إلا المتقون تلك الصفات ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك الحكم وقال النيسابوري : ولكن أكثرهم أي المتقين لا يعلمون أنهم أولياؤه لأن الولي قد لا يعرف أنه ولي وما كان صلاتهم عند البيت وهو ذلك المسجد إلا مكاء إلا وساوس وخطرات شيطانية وتصدية وعزما على الأفعال الشنيعة إن الذين كفروا ينفقون أموالهم من الإستعداد الفطري في غير مرضاة الله تعالى ليصدوا عن سبيل الله طريقه الموصل إليه فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة لزوال لذاتهم حتى تكون نسيا منسيا ثم يغلبون لتمكن الأخلاق الذميمة فيهم فلا يستطيعون العدول عنها والذين كفروا أي وهم إلا أنه أقيم الظاهر مقام المضمر تعليلا للحكم الذي تضمنه قوله سبحانه : إلى جهنم يحشرون وهي جهنم القطيعة قل للذين كفروا إن ينتهوا عما هم عليه يغفر لهم ما قد سلف لمزيد الفضل وقاتلوهم أي قاتلوا أيها المؤمنون كفار النفوس فإن جهادها هو الجهاد الأكبر حتى لا تكون فتنة مانعة عن الوصول إلى الحق ويكون الدين كله لله ويضمحل دين النفس الذي شرعته فإن إنتهوا فإن الله بما يعملون بصير فيجازيهم على ذلك والله تعالى الموفق لأوضح المسالك لا رب غيره ولا يرجى إلا خيره 10

الصفحة 209