كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 10)

يتسن إجتماعهم فاندفع فسادهم انتهى والإحتياج إليه على التفسير الأول أظهر منه على التفسير الثاني لأن الظاهر عليه أن القوم لم يكونوا منافقين ووجه العتاب على الاذن في قعودهم مع ما قص الله تعالى فيهم أنهم لو قعدوا بغير إذن منه عليه الصلاة و السلام لظهر نفاقهم فيما بين المسلمين من أول الأمر ولم يقدروا على مخالطتهم والسعي فيما بينهم بالاراجيف ولم يتسن لهم التمتع بالعيش إلى أن يظهر حالهم بقوارع الآيات النازلة والله عليم بالظالمين
74
- علما محيطا بظواهرهم وبواطنهم وأفعالهم الماضية والمستقبلة فيجازيهم على ذلك ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم والتشديد في الوعيد والإشعار بترتبه على الظلم ويجوز أن يراد بالظالمين الجنس ويدخل المذكورون دخولا أوليا والمراد منهم إما القاعدون أو هم والسماعون لقد إبتغوا الفتنة تشتيت شملك وتفرق أصحابك من قبل أي من قبل هذه الغزوة وذلك كما روي عن الحسن يوم أحد حين انصرف عبدالله بن أبي بن سلول بأصحابه المنافقين وقد تخلف بهم عن هذه الغزوة أيضا بعد أن خرج مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى قريب من ثنية الوداع وروي عن سعيد بن جبير وابن جريج أن المراد بالفتنة الفتك برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة العقبة وذلك أنه اجتمع إثنا عشر رجلا من المنافقين ووقفوا على الثنية ليفتكوا به عليه الصلاة و السلام فردهم الله تعالى خاسئين وقلبوا لك الأمور أي المكايد وتقليبها مجاز عن تدبيرها أو الأراء وهو مجاز عن تفتيشها أي دبروا لك المكايد والحيل أو دوروا الآراء في إبطال أمرك وقريء وقلبوا بالتخفيف حتى جاء الحق أي النصر والظفر الذي وعده الله تعاالى وظهر أمر الله أي غلب دينه وعلا شرعه سبحانه وهم كارهون
84
- أي في حال كراهتهم لذلك أي على رغم منهم والإتيان كما قالوا لتسلية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين عن تخلف المتخلفين وبيان ما ثبطهم الله تعالى لأجله وهتك أستارهم وإزاحة أعذارهم تداركا لما عسى يفوت بالمبادرة إلى الأذن وإيذانا بأن ما فات بها ليس مما لا يمكن تلافيه تهويلا للخطب ومنهم من يقول ائذن لي في القعود عن الجهاد ولا تفتني أي ولا توقعني في الفتنة بنساء الروم
أخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما أراد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخرج إلى غزوة تبوك قال لجد بن قيس : يا جد بن قيس ما تقول في مجاهدة بني الأصفر فقال : يا رسول الله إني امرؤ صاحب نساء ومتى أرى نساء بني الأصفر أفتتن فائذن لي ولا تفتني فنزلت وروى نحوه عن عائشة وجابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما أولا توقعني في المعصية والإثم بمخالفة أمرك في الخروج إلى الجهاد وروي هذا عن الحسن وقتادة واختاره الجبائي وفي الكلام على هذا إشعار بأنه لا محالة متخلف أذن له صلى الله تعالى عليه وسلم أو لم يأذن وفسر بعضهم الفتنة بالضرر أي لا توقعني في ذلك فإني إن خرجت معك هلك مالي وعيالي لعدم من يقوم بمصالحهم وقال أبو مسلم : أي لا تعذبني بتكليف الخروج في شدة الحر وقريء ولا تفتني من أفتنه بمعنى فتنه ألا في الفتنة أي في نفسها وعينها وأكمل افرادها الغني عن الوصف بالكمال الحقيق باختصاص اسم الجنس به سقطوا لا في شيء مغاير لها فضلا عن أن يكون مهربا ومخلصا عنها وذلك بما فعلوا من العزيمة على التخلف والجراءة على هذا الإستئذان والقعود بالإذن المبني عليه وعلى الإعتذارات الكاذبة وفي

الصفحة 113