كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 10)

أخبار السوء ويقولون : إن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبي عليه الصلاة و السلام وأصحابه فأنزل الله تعالى الآية فتأمل
قل تبكيتا لهم لن يصيبنا أبدا إلا ما كتب الله لنا أي ما اختصنا بإثابته وإيجابه من المصلحة الدنيوية أو الآخروية كالنصرة أو الشهادة المؤدية للنعيم الدائم فالكتب بمعنى التقدير واللام للإختصاص وجوز أن يكون المراد بالكتب الخط في صاللوح واللام للتعليل والأجل أي لن يصيبنا إلا ما خط الله تعالى لأجلنا في اللوح ولا يتغير بموافقتكم ومخالفتكم فتدل الآية على أن الحوادث كلها بقضاء الله تعالى وروي هذا عن الحسن وادعى بعضهم أنه غير مناسب للمقام وأن قوله تعالى : هو مولانا أي ناصرنا ومتولي أمورنا يعين الأول لأنه يبين أن معنى اللام الإختصاص ويخصص الموصول بالنصر والشهادة أي لن يصيبنا إلا ذلك دون الخذلان والشقاوة كما هو مصير حالكم لأنا مؤمنون وأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم وقد يقال : هو تعليل لما يستفاد من القول السابق من الرضا أي لن يصيبنا إلا ما كتب من خير أو شر فلا يضرنا ما أنتم عليه ونحن بما فعل الله تعالى راضون لأنه سبحانه مالكنا ونحن عبيده وقرأ ابن مسعود هل يصيبنا وطلحة هل يصيبنا بتشديد الياء من صيب الذي وزنه فيعل لا فعل بالتضعيف لأن قياسه صوب لأنه من الواوي فلا وجه لقلبها ياء بخلاف ما إذا كان صيوب على وزن فيعل لأنه إذا إجتمعت الواو والياء والأول منهما ساكن قلبت الواو ياءا وهو قياس مطرد وجوز الزمخشري كونه من التفعيل على لغة من قال صاب يصيب ومنه قول الكميت : واستبى الكاعب العقيلة إذ أسهمى الصائبات والصيب وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون
15
- بأن يفوضوا الأمر إليه سبحانه ولا ينافي ذلك التشبيث بالأسباب العادية إذا لم يعتمد عليها وظاهر كلام جمع أن الجملة من تمام الكلام المأمور به وتقديم المعمول لإفادة التخصيص كما أشرنا إليه وإظهار الإسم الجليل في مقام الإضمار لإظهار التبرك والإستلذاذ به
ووضع المؤمنين موضع ضمير المتكلم ليؤذن بأن شأن المؤمنين إختصاص التوكل بالله تعالى وجيء بالفاء الجزائية لتشعر بالترتب أي إذا كان لن يصيبنا إلا ما كتب الله أي خصنا الله سبحانه به من النصر أو الشهادة وأنه متولي أمرنا فلنفعل ما هو حقنا من إختصاصه جل شأنه بالتوكل قال الطيبي : وكأنه قوبل قول المنافقين قد أخذنا أمرنا بهذه الفاصلة والمعنى دأب المؤمنين أن لا يتكلوا على حزمهم وتيقظ أنفسهم كما أن دأب المنافقين ذلك بل أن يتكلوا على الله تعالى وحده ويفوضوا أمورهم إليه ولا يبعد تفرع الكلام على قوله سبحانه : هو مولانا كما لا يخفى ويجوز أن تكون هذه الجملة مسوقة من قبله تعالى أمرا للمؤنين بالتوكل إثر أمره صلى الله تعالى عليه وسلم بما ذكر وأمر وضع الظاهر موضع الضمير في الموضعين حينئذ ظاهر وكذا إعادة الأمر في قوله تعالى : قل هل تربصون بنا لإنقطاع حكم الأمر الأول بالثاني وإن كان أمرا لغائب وأما على كلام الجماعة فالإعادة لإبراز كمال العناية بشأن المأمور به والتربص الإنتظار والتمهل وأحدى التاءين محذوفة والباء للتعدية أي ما تنتظرون بنا إلا إحدى الحسنيين أي إحدى العاقبتين اللتين

الصفحة 115