كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 10)

ومعنى المهمل التفريق كما قاله قطرب لكنها نادرة وقرأ أبو حيوة من خلفهم بمن الجارة والفعل عليها منزل منزلة اللازم كما في قوله
يجرح في عراقيبها نصلي
فالمعنى فعل التشريد من ورائهم وهو في معنى جعل الوراء ظرفا للتشريد لتقارب معنى من و في تقول : اضرب زيدا من وراء عمرو وورائه أي في وراءه وذلك يدل على تشريد من في تلك الجهة على سبيل الكناية فإن إيقاع التشريد في الوراء لا يتحقق إلا بتشريد من ورائهم فلا فرق بين القراءتين الفتح والكسر إلا في المبالغة لعلهم يذكرون
75
- أي لعل المشردين يتعظون بما يعلمونه مما نزل بالناقضين فيرتدعون عن النقض قيل : أو عن الكفر وإما تخافن من قوم خيانة بيان لأحكام المشرفين إلى نقض العهد إثر بيان أحكام الناقضين له بالفعل والخوف مستعار للعلم أي وإما تعلمن من قوم معاهدين لك نقض عهد فيما سيأتي بما يلوح لك منهم من الدلائل فانبذ إليهم أي فاطرح إليهم عهدهم وفيه إستعارة مكنية تخييلية على سواء أي على طريق مستو وحال قصد بأن تظهر لهم النقض وتخبرهم إخبارا مكشوفا بأنك قد قطعت ما بينك وبينهم من الوصلة ولا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد كيلا يكون من قبلك شائبة خيانة أصلا فالجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من المستكن في انبذ فانبذ إليهم ثابتا على سواء وجوز أن يكون حالا من ضمير إليهم أو من الضميرين معا أي حال كونهم كائنين على إستواء في العلم بنقض العهد بحيث يستوي فيه أقصاهم وأداهم أو حال كونك أنت وهم على إستواء في ذلك ولزوم الإعلام عند أكثر العلماء الأعلام إذا لم تنقض مدة العهد أو لم يستفض نقضهم له ويظهر ظهورا مقطوعا به أما إذا انقضت المدة أو استفاض النقض وعلمه الناس فلا حاجة إلى ما ذكر ولهذا غزا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أهل مكة من غير نبذ ولم يعلمهم بأنهم كانوا نقضوا العهد علانية بمعاونتهم بني كنانة على قتل خزاعة حلفاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله لا يحب الخائنين
85
- تعليل للأمر بالنبذ باعتبار إستلزامه للنهي عن المناجزة التي هي خيانة فيكون تحذيرا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم منها
وجوز أن يكون تعليلا لذلك باعتبار إستتباعه للقتال بالآخرة فتكون حثا له صلى الله تعالى عليه وسلم على النبذ أولا وعلى قتالهم ثانيا كأنه قيل : وإما تعلمن من قوم خيانة فانبذ إليهم ثم قاتلهم إن الله لا يحب الخائنين وهم من جملتهم لما علمت حالهم والأول هو المتبادر وعلى كلا التقديرين المراد من نفي الحب إثبات البغض إذ لا واسطة بين الحب والبغض بالنسبة إليه تعالى ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا بياء الغيبة وهي قراءة حفص وابن عامر وأبي جعفر وحمزة وزعم تفرد الأخير بها وهم كزعم أنها غير نيرة فقد نص في التيسير على أنه قرأ بها الأولان أيضا وفي المجمع على أنه قرأ بها الأربعة وقال المحققون : إنها أنور من الشمس في رابعة النهار لأن فاعل يحسبن الموصول بعده ومفعوله الأول محذوف أي أنفسهم وحذف للتكرار والثاني جملة سبقوا أي لا يحسبن أولئك الكافرون أنفسهم سابقين أي مفلتين من أن يظفر بهم
والمراد من هذا إقناطهم من الخلاص وقطع أطماعهم الفارغة من الأنتفاع بالنبذ والإقتصار على دفع هذا للتوهم وعدم دفع توهم سائر ما تتعلق به أمانيهم الباطلة من مقاومة المؤمنين أو الغلبة عليهم للتنبيه على أن ذلك مما لا يحوم عليه عقاب وهمهم وحسباتهم وإنما الذي يمكن أن يدور في خلدهم حسبان المناص فقط ويحتمل أن يكون الفاعل ضميرا مستترا والحذف لا يخطر بالبال كما توهم أي لا يحسبن هو أي

الصفحة 23