كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 10)
على أن ذكر الله تعالى لتعظيم الرسول عليه الصلاة و السلام كما في قوله تعالى : والله ورسوله أحق أن يرضوه أو لبيان أنه لابد في الخمسية من إخلاصها له سبحانه وأن المراد قسمة الخمس على ما ذكر في قوله تعالى : وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل قيل ويكون قوله تعالى : للرسول معطوفا على لله على التعليل الأول وبتقدير مبتدأ أي وهو أي الخمس للرسول الخ على التعليل الثاني وإعادة اللام في ذي القربى دون غيرهم من الأصناف الباقية لدفع توهم إشتراكهم في سهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لمزيد إتصالهم به عليه الصلاة و السلام وأريد بهم بنو هاشم وبنو المطلب المسلمون لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم وضع سهم ذوي القربى فيهم دون بني أخيهما شقيقهما عبد شمس وأخيهما لأبيهما نوفل مجيبا عن ذلك حين قال له عثمان وجبير بن مطعم : هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله تعالى منهم أرأيت إخواننا من بني عبد المطلب أعطيتهم وحرمتنا وإنما نحن وهم بمنزلة نحن وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه رواه البخاري أي لم يفارقوا بني هاشم في نصرته صلى الله تعالى عليه وسلم جاهلية ولا إسلاما
وكيفية القسمة عند الأصحاب أنها كانت على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على خمسة أسهم سهم له عليه الصلاة و السلام وسهم للمذكورين من ذوي القربى وثلاثة أسهم للأصناف الثلاثة الباقية وأما بعد وفاته عليه الصلاة و السلام فسقط سهمه صلى الله تعالى عليه وسلم كما سقط الصفى وهو ما كان يصطفيه لنفسه من الغنيمة مثل درع وسيف وجارية بموته صلى الله تعالى عليه وسلم لأنه كان يستحقه برسالته ولا رسول بعده صلى الله تعالى عليه وسلم وكذا سقط سهم ذوي القربى وإنما يعطون بالفقر وتقدم فقراؤهم على فقراء غيرهم ولا حق لأغنيائهم لأن الخلفاء الأربعة الراشدين قسموه كذلك وكفى بهم قدوة وروي عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه منع بني هاشم الخمس وقال : إنما لكم أن يعطى فقيركم ويزوج أيمكم ويخدم ما لا خادم له منكم فأما الغني منكم فهو بمنزلة ابن السبيل غني لا يعطى من الصدقة شيئا ولا يتيم موسر وعن زيد بن علي كذلك قال : ليس لنا أن نبني منه القصور ولا أن نركب منه البراذين ولأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إنما أعطاهم للنصرة لا للقرابة كما يشير إليه جوابه لعثمان وجبير رضي الله تعالى عنهما وهو يدل على أن المراد بالقربى في النص قرب النصرة لا قرب القرابة وحيث إنتهت النصرة إنتهى العطاء لأن الحكم ينتهي بإنتهاء علته واليتيم صغير لا أب له فيدخل فقراء اليتامى من ذوي القربى في سهم اليتامى المذكورين دون أغنيائهم والمسكين منهم في سهم المساكين وفائدة ذكر اليتيم مع كون إستحقاقه بالفقر والمسكنة لا باليتيم دفع توهم أن اليتيم لا يستحق الغنيمة شيئا لأن إستحقاقها بالجهاد واليتيم صغير فلا يستحقها
وفي التأويلات لعلم الهدى الشيخ أبي منصور أن ذوي القربى إنما يستحقون بالفقر أيضا وفائدة ذكرهم دفع ما يتوهم أن الفقير منهم لا يستحق لأنه من قبيل الصدقة ولا تحل لهم وفي الحاوي القدسي وعن أبي يوسف أن الخمس يصرف لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وبه نأخذ انتهى وهو يقتضي أن الفتوى على الصرف إلى ذوي القربى الأغنياء فليحفظ وفي التحفة أن هذه الثلاثة مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الإستحقاق حتى لو صرف إلى صنف واحد منهم جاز كما في الصدقات كذا في فتح القدير ومذهب ألإمام مالك رضي الله تعالى عنه أن الخمس لا يلزم تخميسه وأنه مفوض إلى رأي الإمام كما يشعر به كلام خليل وبه صرح ابن الحاجب فقال : ولا يخمس لزوما بل يصرف منه لآله عليه الصلاة و السلام بالإجتهاد
الصفحة 3
164