كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 10)

وتكرير كلمة عند للايذان بعدم الاعتداد عند كل من الله تعالى ورسوله عليه الصلاة و السلام على حدة إلا الذين عاهدتم وهم المستثنون فيما سلف والخلاف هو الخلاف والمعتمد هو المعتمد والتعرض لكون المعاهدة عند المسجد الحرام لزيادة بيان أصحابها والاشعار بسبب وكادتها والاستثناء منقطع وهو بمعنى الاستدراك من النفى المفهوم من الاستفهام الانكاري المتبارد شموله بجميع المعاهدين ومحل الموصول الرفع على الابتداء وخبره مقدر أو هو فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم والفاء لتضمنه معنى الشرط على ما مر و ما كما قال غير واحد إما مصدرية منصوبة المحل على الظرفية بتقدير مضاف أي فاستقيموا لهم مدة استقامتهم لكم وإما شرطية منصوبة المحل على الظرفية الزمانية أي أي زمان استقاموا لكم فاستقيموا لهم وهوأسم من القيل صناعة من الاحتمال الأول على التقدير الثاني ويحتمل أن تكون مرفوعة المحل على الابتداء وفي خبرها الخلاف المشهور واستقيموا جواب الشرط والفاء واقعة في الجواب وعلى احتمال المصدرية مزيدة للتأكيد
وجوز أن يكون الاستثناء متصلا ومحل الموصول النصب أو الجر على أنه بدل من المشركين لأن الاستفهام بمعنى النفي والمراد بهم الجنس لا المعهودون وأياما كان فحكم الامر بالاستقامة ينتهي بانتهاء مدة العهد فيرجع هذا الى الامر بلاتمام المار خلا أنه قد صرح ههنا بما لم يصرح به هناك مع كونه معتبرا فيه قطعا وهو تقييد الاتمام المأمور به ببقائهم على ما كانوا عليه من الوفاء وعلل سبحانه بقوله تعالى : إن الله يحب المتقين
7
- على طرز ما تقدم حذو القذة بالقذة كيف تكرير لاستنكار ما مر من أن يكون للمشركين عهد حقيق بالمراعاة عند الله تعالى وعند رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل : لاستبعاد ثباتهم على العهد وفائدة التكرار التأكيد والتمهيد لتعداد العلل الموجبة لما ذكر لا خلال تخلل ما في البين بالارتباط والتقريب وحذف الفعل المستنكر للايذان بأن النفس مستحضرة له مترقبة لورود ما يوجب استنكاره وقد كثر حذف الفعل المستفهم عنه مع كيف ويدل عليه بجملة حالية بعده ومن ذلك قوله كعب الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار : وخبر تمانى أنما الموت في القرى فكيف وهاتا هضبة وقليب يريد فكيف مات والحال ما ذكر والمراد هنا كيف يكون لهم عهد معتد به عند الله وعند رسوله عليه الصلاة و السلام و حالهم أنهم إن يظهروا عليكم أي يظفروا بكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة أي لم يراعوا في شأنكم ذلك وأصل الرقوب النظر بطريق الحفظ والرعاية منه الرقيب ثم استعمل في مطلق الرعاية والمراقبة أبلغ منه كالمراعاة وفي نفي الرقوب من المبالغة ما ليس في نفيهما وما ألطف ذكر الرقوب مع الظهور و الال بكسر الهمزة وقد يفتح على ما روى عن ابن عباس الرحم والقرابة وأنشد قول حسان : لعمرك إن الك من قريش كال السقب من رأل النعام وإلى ذلك ذهب الضحاك وروى عن السدي أنه الحلف والعهد قيل : ولعله بهذا المعنى مشتق من الأل وهو الجوار لأنهم كانوا إذا تحالفوا رفعوا أصواتهم ثم استعير للقرابة لان بين القريبين عقدا اشد من عقد التحالف وكونه أشد لا ينافي كونه مشبها لأن الحلف يصرح به ويلفظ فهو أقوى من وجه آخر وليس التشبيه من المقلوب كما توهم وقيل : مشتق من ألل الشىء إذا حدده أو من أل البرق إذا لمع وظهر ووجه المناسبة ظاهر

الصفحة 55