كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 10)

قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوؤه وأخرج أبو بكر الشافعي وغيره عن أبي قرصافة قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين وسمعته عليه الصلاة و السلام يقول من بنى لله تعالى مسجدا بنى الله تعالى له بيتا في الجنة فقالوا : يا رسول الله وهذه المساجد التي تبنى في الطرق فقال عليه الصلاة و السلام : وهذه المساجد التي تبنى في الطرق وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الغدو والرواح إلى المسجد من الجهاد في سبيل الله تعالى وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وصححه وجماعة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان وتلا صلى الله تعالى عليه وسلم إنما يعمر الآية
واستشكل ذكر إيتاء الزكاة في الآية بأنه لاتظهر مدخليته في العمارة وتكلف لذلك بأن الفقراء يحضرون المساجد للزكاة فتعمر بهم وأن من لايبذل المال للزكاة الواجبة لايبذله لعمارتها وهو كما ترى والحق أن المقصود بيان أن من يعمر المساجد هو المؤمن الظاهر إيمانه وهو إنما يظهر بإقامة واجباته فعطف الإقامة والإيتاء على الإيمان للإشارة إلى ذلك ولم يخش أحدا إلا الله فعمل بموجب أمره ونهيه غير آخذ له في الله تعالى لومة لائم ولا مانع له خوف ظالم فيندرج فيه عدم الخشية عند القتال الموبخ عليها في قوله سبحانه : أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه وأما الخوف الجبلي من الأمور المخوفة فليس من هذا الباب ولا هو مما يدخل تحت التكليف والخطاب والنهي في قوله تعالى : خذها ولا تخف ليس على حقيقته
وقيل : كانوا يخشون الأصنام ويرجونها فاريد نفي تلك الخشية عنهم فعسى أولئك المنعوتون بأكمل النعوت أن يكونوا من المهتدين
81
- أي إلى الجنة وما أعد الله تعالى فيها لعباده كما روي عن ابن عباس والحسن وإبراز اهتدائهم لذلك مع مابهم من تلك الصفات الجليلة في معرض التوقع لحسم أطماع الكافرين عن الوصول إلى مواقف الإهتداء لأن هؤلاء المؤمنين وهم هم إذا كان أمرهم دائرا بين لعل وعسى فما بال الكفرة بيت المخازي والقبائح وفيه قطع اتكال المؤمنين على أعمالهم وما هم عليه وإرشادهم إلى ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء وهذا هو المناسب للمقام لا الأطماع وسلوك سنن الملوك مع كون القصد إلى الوجوب وكون الكفرة يزعمون أنهم محقون وأن غيرهم على الباطل فلا يتأتى حسم أطماعهم لا يلتفت إليه بعد ظهور الحق وهذا لاريب فيه
وقيل : إن الأوصاف المذكورة وإن أوجبت الإهتداء ولكن الثبات عليها مما لا يعلمه إلا الله تعالى وقد يطرأ ما يوجب ضد ذلك والعبرة للعاقبة فكلمة التوقع يجوز أن تكون لهذا ولا يخفى ما فيه فإن النظر إلى العاقبة هنا لا يناسب المقام الذي يقتضي تفضيل المؤمنين عليهم في الحال
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله السقاية والعمارة مصدر أسقى وعمر بالتخفيف إذ عمر المشدد يقال في عمر الإنسان لا في العمارة كما يتوهمه العوام وصحت الياء في سقاية لأن بعدها هاء التأنيث وظاهر الآية تشبيه الفعل بالفاعل والصفة بالذات وأنه

الصفحة 66