كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 13)

يوجب تغير بدنه الخاص لم يبعد أيضا أن يكون بعض النفوس بحيث تتعدى تأثيراتها إلى سائر الابدان وأيضا جواهر النفوس مختلفة فلا يمتنع أن يكون بعض النفوس بحيث تؤثر في تغير بدن حيوان آخر بشرط أن تراه أو ترى مثاله على مانقل وتتعجب منه ومتى ثبت أن ذلك غير ممتنع وكانت التجارب شاهدة بوقوعه وجب القول به من غير تلعثم ولأن وقوع ذلك أكثري عند اعمال العين والنظر بها إلى الشيئ منسب التأثير إلى العين والا فالمؤثر إنما هو النفس ونسبة التأثير اليها كنسبة الاحراق إلى النار والري إلى الماء ونحو ذلك والفاعل للآثار في الحقيقة هو الله عز سلطانه بالاجماع لكن جرت عادته تعالى على خلقها بالاسباب من غير توقف عقلي عليها كما يظن جهلة الفلاسفة على ما نقل عن السلف أو عند الاسباب من غير مدخلية لها بوجه من الوجوه على ما شاع عن الاشعري
فمعنى قوله عليه الصلاة و السلام : العين حق أن اصابة النفس بواسطتها أمر كائن مقضي به في الوضع الالهي لاشبهة في تحققه وهو كسائر الآثار المشاهدة لنحو النار والماء والأدوية مثلا وأنت تعلم أن مدار كل شيء المشيئة الالهية فما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن وحكمة خلق الله تعالى التأثير في مسئلة العين أمر مجهول لنا وزعم أبو هاشم وأبو القاسم البلخي أن ذلك مما يرجع إلى مصلحة التكليف قالا : لايمتنع أن تكون العين حقا على معنى أن صاحب العين إذا شاهد الشيء وأعجب به استحسانا كان المصلحة له في تكليفه أن يغير الله تعالى ذلك الشيء حتى لايبقى قلب ذلك المكلف متعلقا به ثم لايبعد أيضا أنه لو ذكر ربه عند تلك الحالة وعدل عن الاعجاب وسأل ربه سبحانه بقاء ذلك تتغير المصلحة فيبقيه الله تعالى ولا يفنيه وهو كما ترى ثم ان ما أشار اليه من نفع ذكر الله تعالى والالتجاء اليه سبحانه حق فقد صرحوا بأن الادعية والرقي من جملة الأسباب لدفع أذى العين بل إن من ذلك ما يكون سببا لرد سهم العائن اليه فقد أخرج ابن عساكر أن سعيد الساحي قيل له : احفظ ناقتك من فلان العائن فقال : لاسبيل له اليها فعانها فسقطت تضطرب فاخبر الساحي فوقف عليها فقال : حبس حابس وشهاب قابس رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس اليه وعلى كبده وكليتيه رشيق وفي ماله يليق فارجع البصر هل ترى من فطور الآية فخرجت حدقتا العائن وسلمت الناقة
ويدل على نفع الرقية من العين مشروعيتها كما تدل عليه الآثار وقد جاء في بعضها أنه صلى الله عليه و سلم قال : لارقية الامن عين أو حمة والمراد منه أنه لارقية أولى وانفع من رقية العين والحمة والا فقد رقى صلى الله عليه و سلم بعض أصحابه من غيرهما وينبغي لمن علم من نفسه أنه ذو عين أن لاينظر إلى شيء نظر اعجاب وأن يذكر الله تعالى عند رؤية ما يستحسن فقد ذكر غير واحد من المجربين أنه إذا فعل ذلك لايؤثر ونقل الاجهوري أنه يندب أنه يعوذ المعين فيقول اللهم بارك فيه ولا تضره ما شاء الله لاقوة الا بالله وفي تحفة المحتاج أن من أدويتها أي العين المجربة التي أمر النبي صلى الله عليه و سلم بها أن يتوضأ العائن إلى آخر ماذكرناه آنفا وأن يدعو للمعين وأن يقول المعين ماشاء الله لاقوة الا بالله حصنت نفسي بالحي القيوم الذي لايموت ابدا ودفعت عنها السوء بألف لاحول ولا قوة إلا بالله ويسن عند القاضي لمن رأى نفسه سليمة واحواله معتدلة أني قول ذلك وفي شرح مسلم عن العلماء أنه على السلطان منع من عرف بذلك من مخالطة الناس ويرزقه من بيت المال إن كان فقيرا فان ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي منعه عمر رضي الله تعالى عنه من مخالطة الناس ورأيت لبعض أصحابنا أيضا القول بندب

الصفحة 18