كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 14)
الحقيقية لم يحصل الإيمان بالغيب ولم يتحقق الإختيار الذي هو مدار التكليف وإن كان وهم بصور البشر حصل اللبس فكان وجوده كعدمه ولزم التسلسل ويمنع من التنزيل بالهلاك كما فعل مع أضرابهم من المعاندين أنا جعلناهم منظرين فلو نزلنا الملائكة وأهلكناهم عاد بالنقض لما أبرمناه حسبما نعلم فيه من الحكم وقيل : في توجيه الآية على تقدير كون اقتراحهم لأتيان الملائكة لتعذيبهم : إن المعنى إنا ما ننزل الملائكة للتعذيب إلا تنزيلا ملتبسا بما تقتضيه الحكمة ولو نزلناهم حسبما اقترحوا ما كان ذلك ملتبسا بما تقتضيه لأنها اقتضت تأخير عذابهم إلى يوم القيامة وحيث كان تنزيلهم للتعذيب إلى عدم موافقة الحكمة نوع إيهام لعدم استحقاقهم التعذيب عدل عما يقتضيه الظاهر إلى ما عليه النظم الكريم فكأنه قيل : لو نزلناهم ما كانوا منظرين وذلك غير موافق للحكمة فتدبر جميع ذاك والله تعالى يتولى هداك هذا ولفظة إذا قال في الكشاف : جواب وجزاء لأن الكلام جواب لهم وجزاء لشرط مقدر أي ولو نزلنا وصرح فإفادتها هذا المعنى سيبويه إلا أن الشلوبين حمل ذلك على الدوام وتكلف له وأبو علي على الغالب وقد تتمحض للجواب عنده وهي حرف بسيط عند الجمهور وذهب قوم إلى أنها اسم ظرف وأصلها إذا الظرفية لحقها التنوين عوضا من الجملة المضاف إليها ونقلت إلى الجزائية فبقي فيها معنى الربط والسبب وذهب الخليل إلى أنها حرف تركيب من إذ وأن وغلب عليها حكم الحرفية ونقلت حركة الهمزة إلى الذال ثم حذفت والتزم هذا النقل فكان المعنى إذا قال القائل أزورك فقلت إذا أزورك قلت حينئذ زيارتي واقعة ولا يتكلم بهذا
وذهب أبو علي عمر بن عبدالمجيد الزيدي إلى أنها مركبة من إذا وإن وكلاهما يعطي ما يعطى كل واحدة منهما فيعطى الربط كإذا والنصب كأن ثم حذفت همزة أن ثم ألف إذا لالتقاء الساكنين والظاهر أنه لو قدر في الكلام شرط كانت لمجرد التأكيد وجعلوا من ذلك قوله تعالى : ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا الخ ونقل عن الكافيجي أنه قال في مثل ذلك : ليست إذا هذه الكلمة المعهودة وإنما هي إذا الشرطية حذفت جملتها التي تضاف إليها وعوض عنها التنوين كما في يومئذ وله سلف في ذلك فقد قال الزركشي في البرهان بعد ذكره : لإذا معنيين وذكر لها بعض المتأخرين معنى ثالثا وهو أن تكون مركبة من إذا التي هي ظرف زمان ماض ومن جملة بعدها تحقيقا أو تقديرا لكنها حذفت تخفيفا وأبدل منها التنوين كما في قولهم حينئذ وليست هذه الناصبة للمضارع لأن تلك تختص به وهذه لا بل تدخل على الماضي نحو إذا لأمسكتم وعلى الاسم نحو وإنكم إذا لمن المقربين ثم قال : وهذا المعنى لم يذكره النحويون لكنه قياس ما قالوه في إذ وفي التذكرة لأبي حيان ذكر لي علم الدين أن القاضي تقي الدين بن رزين كان يهب إلى أن تنوين إذا عوض من الجملة المحذوفة وليس قول نحوي وقال الجوني : وأنا أظن أنه يجوز أن تقول لمن قال : أنا آتيتك إذا أكرمك بالرفع على معنى إذا أتيتني أكرمك فحذفت أتيتني وعوضت التنوين فسقطت الألف لالتقاء الساكنين والنصب الذي اتفق عليه النحاة لحملها على غير هذا المعنى وهو لا ينفي الرفع إذا أريد بها ما ذكره
وذكر الجلال السيوطي أن الإجماع في القرآن على كتابتها بالألف والوقف عليه دليل على أنها اسم منون لا حرف آخره نون خصوصا إذا لم تقع ناصبة للمضارع فالصواب إثبات هذا المعنى لها كما جنح إليه شيخنا الكافيجي ومن سبق النقل عنه وعلى هذا فالأولى حملها في الآية على ما ذكر ة وقد ذكرنا فيما مضى بعضا من هذا الكلام فتذكر ثم إنه تعالى رد إنكارهم التنزيل واستهزاءهم برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسلاه