كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 14)

كفرهم بالكتاب والقرآن وبكونه من عند الله تعالى وودادتهم الانقياد لحكمه والإذعان لأمره وفيه إيذان بأن كفرهم إنما كان بالجحود وفيه نظر وهذه الودادة يوم القيامة عند رؤيتهم خروج العصاة من النار
أخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس وأنس رضي الله عنهم أنهما تذاكرا هذه الآية فقالا : هذا حيث يجمع الله تعالى بين أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار فيقول المشركون : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون فيغضب الله تعالى لهم فيخرجهم بفضل رحمته
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن ناسا من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله تعالى أن يكونوا ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون : ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله تعالى من النار ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم الآية
وأخرج غير واحد عن علي كرم الله وجهه وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري نحو ذلك يرفعه كل إلى رسول الله عليه الصلاة و السلام وروي ذلك عن كثير من السلف الصالح فقول الزمخشري إن القول به باب من الودادة بيت من السفاهة قعيدته عقيدته الشوهاء وقال الضحاك : إن ذلك في الدنيا عند الموت وانكشاف وخامة الكفر لهم وعن ابن مسعود أن الآية في كفار قريش ودوا ذلك يوم بدر حين رأوا الغلبة للمسلمين وفي رواية عنه وعن أناس من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن ذلك حين ضربت أعناقهم فعرضوا على النار
وذكر ابن الأنباري أن هذه الودادة من الكفار عند كل حالة يعذب فيها الكافر ويسلم المسلم ورب على كثرة وقوعها في كلام العرب لم تقع في القرآن إلا في هذه الآية ويقال فيها رب بضم الراء وتشديد الباء وفتحها ورب بفتح الراء ورب بضمهما وربت بالضم وفتح الباء والتاء وربت بسكون التاء وربت بفتح الثلاثة وربت بفتح الأولين وسكون التاء وتخفيف الباء من هذه السبعة وربتا بالضم وفتح الباء المشددة ورب بالضم والسكون ورب بالفتح والسكون فهذه سبع عشرة لغة حكاها ما عدا ربتا ابن هشام في المغنى وحكى أبو حيان إحدى عشر منها ربتا وإذا اعتبر ضم الاتصال بما والتجرد منها بلغت اللغات ما لا يخفى وزعم ابن فضالة 1 في الهوامل والعوامل أنها ثنائية الوضع كقد وإن فتح الباء مخففة دون التاء ضرورة وإن فتح الراء مطلقا شاذ وهي حرف جر خلافا للكوفية والأخفش في أحد قوليه وابن الطراوة زعموا أنها اسم مبني ككم واستدلوا على اسميتها بالأخبار عنها في قوله : إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن عارا عليك ورب قتل عار فرب عندهم مبتدأ وعار خبره وتقع عندهم مصدرا كرب ضربة ضربت وظرفا كرب يوم سرت ومفعولا به كرب رجل ضربت واختار الرضي اسميتها إلا أن عنده رفع أبدا على أنها مبتدأ لا خبر له كما اختار ذلك في قولهم : أقل رجل يقول ذلك إلا زيدا قال : إنها إن كفت بما فلا محل لها حينئذ لكونها كحرف النفي الداخل على الجملة ومنع ذلك البصريون بأنها لو كانت اسما لجاز أن يتعدى إليها الفعل بحرف الجر فيقال برب رجل عالم مررت وإن يعود عليها الضمير ويضاف إليها وجميع علامات الاسم منتفية عنها وأجيب عن البيت بأن المعروف وبعض بدل رب وإن صحت تلك الرواية فعار خبر مبتدأ محذوف أي هو عار كما صرح به في قوله :
يا رب هيجا هي خير من دعه
والجملة صفة المجرور أو خبره إذ هو في موضع مبتدأ ويرد قياسها على كم كما قال

الصفحة 4