كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 14)

التكثير أو التقليل إنما يكون فيما عرف حده والمستقبل مجهول كقوله : ربما أوفيت في علم ترفعن ثوبي شمالات وقد يليها المضارع كربما يود الآية وقد يليها الجملة الاسمية نحوه ربما الجامل المؤبل فيهم
وقد لا تكف نحو ربما ضربة بسيف صقيل بين بصري وطعنة نجلاء وقيل : يتعين بعدها الفعلية إذا كفت وإليه ذهب الفارسي وأول البيت على أن ما نكره موصوفة بجملة حذف مبتدأها أي رب شيء هو الجامل وقد يحذف الفعل بعدها كقوله : فذلك أن يلق الكريهة يلقها حميدا وإن يستغن يوما فربما وقد تلحق بها ما ولا تكف كقوله : مأوى ياربتما غارة شعواء كالكية بالميسم انتهى
وبنحو تأويل الفارسي البيت أول بعضهم الآية فقال : إن ما نكرة موصوفة بجملة يود إلى آخره والعائد محذوف والفعل المتعلق به رب محذوف أي رب شيء يوده الذين كفروا تحقق وثبت ونحوه قول ابن أبي الصلت : ربما تجزع النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال والتزم كون المتعلق محذوفا لأنها حينئذ لا يجوز تعلقها بيود ولا بد لها من فعل تتعلق به على ما صححه جمع وأما على ما اختاره الرضي من كونها مبتدأ لا خبر له والمعنى قليل أو كثير وداد الذين كفروا فلا حاجة إليه وهذا التأويل على ما قال السمرقندي أحد قولي البصريين وتعقبه العلامة التفتازاني بأنه لا يخفى ما فيه من التعسف وبتر النظم الكريم أي قطع لو كانوا مسلمين عما قبله ووجه التعسف أن المعنى على تقليل أو تكثير ودادهم لا على تقليل أو تكثير شيء إلا أن يراد رب شيء يودونه من حيث إنهم يودونه والمختار عندي ما اختاره أبو حيان وكذا صاحب اللب من أن رب تدخل على الماضي والمضارع إلا أن دخولها على الماضي أكثر ومن تتبع أشعار العرب رأى فيها مما دخلت فيه على المضارع ما يبعد ارتكاب التأويل معه كما لا يخفى على المنصف المتتبع واختلفوا في مفادها هنا فذهب جمع كثير إلى أنه التقليل وهو ظاهر أكثر الآثار حيث دلت على أن ودادهم ذلك عند خروج عصاة المسلمين من جهنم وبقائهم فيها نعم زعم بعضهم أن الحق أن ما فيها محمول على شدة ودادهم إذ ذاك وأن نفس الوداد ليس مختصا بوقت دون وقت بل هو متقرر ومستمر في كل آن يمر عليهم
ووجه الزمخشري الإتيان بأداة التقليل على هذا بأنه وارد على مذهب العرب في قولهم : لعلك ستندم على فعلك وربما ندم الإنسان على ما فعل ولا يشكون في تندمه ولا يقصدون تقليله ولكنهم أرادوا لو كان الندم مشكوكا فيه أو قليلا لحق عليك أن لا تفعل هذا الفعل لأن العقلاء يتحرزون من التعرض للغم المظنون كما يتحرزون من التعرض للغم المتيقن ومن القليل منه كما من الكثير وكذلك المعنى في الآية لو كانوا يودون الإسلام مرة واحدة فبالحري أن يسارعوا إليه فكيف وهم يودونه في كل ساعة أه
والكلام عليه على ما قيل من الكناية الإيمانية وفي ذلك من المبالغة ما لا يخفى قال ابن المنير : لا شك أن العرب تعبر عن المعنى بما يؤدي عكس مقصوده كثيرا ومنه والله تعالى أعلم قد تعلمون أني رسول الله إليكم المقصود منه توبيخهم على أذاهم لموسى عليه السلام على توفر علمهم برسالته ومناصحته لهم وقوله
قد أترك القرن مصفرا أنامله

الصفحة 7