كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 15)

متى صح طول حفظ الأبدان المحتاجة إلى الطعام والشراب صح قدرته سبحانه على إعادتهما بعد تفرق أجزائها بطريق الأولى غير مسلم وأجيب بأن طول الحفظ المذكور يدل على قدرته تعالى على ما ذكر بطريق الحدس فليتدبر
ولعل الأظهر توجيه الترتب بما ذكره أولا وتوضيحه أن حال الفتية حيث ناموا في تلك المدة المديدة والسنين العديدة وحبست عن التصرف نفوسهم وتعطلت مشاعرهم وحواسهم من غير تصاعد أبخرة شراب وطعام أو نزول علل وأسقام وحفظت أبدانهم عن التحلل والتفتت وأبقيت على ما كانت عليه من الطراوة والشباب في سالف الأعوام حتى رجعت الحواس والمشاعر إلى حالها وأطلقت النفوس من عقالها وأرسلت إلى تدبير أبدانها والتصرف في خدامها وأعوانها فرأت الأمر كما كان والأعوان هم الأعوان ولم تنكر شيئا عهدته في مدينتها ولم تتذكر طول حبسها عن التصرف في سرير سلطنتها وحال الذين يقومون من قبورهم بعد ما تعطلت مشاعرهم وحبست نفوسهم ثم لما أطلقت وجدت ربوعا عامرة ومنازل كأنها لم تكن داثرة قائلين قبل أن يكشر عن أنيابه العنا من بعثنا من مرقدنا في الغرابة من صقع واحد ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو معاند ووقوع الأول يزيل الارتياب في إمكان وقوع الثاني حيث كان مستندا إلى الاستبعاد في الحقيقة كما سمعت فيما قبل لبطلان أدلة النافين للحشر الجسماني نعم في ترتب العلم بأن البعث سيقع لا محالة على نفس الإطلاع على حال الفتية خفاء فإن الظاهر أن العلم المذكور إنما يترتب على إخبار الصادق بوقوعه وعلى إمكانه في نفسه لكن لما كان الإطلاع المذكور سببا للعلم بالإمكان وكان كالجزء الأخير من العلة بالنسبة للكفار الذين بلغهم خبر الصادق قيل بترتب العلم بذلك عليه وكذا في ترتب العلم بأن كل ما وعده الله تعالى حق على نفس الإطلاع خفاء ولم أر من تعرض لتوجيهه من الفضلاء فتأمل ثم لا يخفى أن ذكر قوله تعالى : وأن الساعة لا ريب فيها بعد قوله سبحانه أن وعد الله حق على التفسير الذي سمعت مما لا غبار عليه وليس ذلك من ذكر الإمكان بعد الوقوع ليغلو كما زعمه من زعمه
وقال بعضهم : إن الظاهر أن يفسر قوله تعالى أن وعد الله حق بأن كل ما وعده سبحانه متحقق ويجعل قوله تعالى وأن الساعة لا ريب فيها تخصيصا بعد تعميم على معنى لا ريب في تحققها وهو وجه في الآية إلا أن في دعوى الظهور مقالا فلا تغفل إذ يتنازعون ظرف لأعثرنا عليهم قدم عليه الغاية إظهارا لكمال العناية بذكرها وجوز أبو حيان وأبو البقاء وغيرهما كونه ظرفا ليعلموا وتعقب بأنه يدل على أن التنازع يحدث بعد الإعثار مع أنه ليس كذلك وبأن التنازع كان قبل العلم وارتفع به فكيف يكون وقته وقته وللمناقشة في ذلك مجال
وجوز أن يكون ظرفا لحق أو لوعد وهو كما ترى وأصل التنازع التجاذب ويعبر به عن التخاصم وهو باعتبار أصل معناه يتعدى بنفسه وباعتبار التخاصم يتعدى بفي كقوله تعالى فإن تنازعتم في شيء وضمير يتنازعون لما عاد عليه ضمير ليعلموا أي وكذلك أعثرنا على أصحاب الكهف الناس أو أهل مدينتهم حين يتنازعون بينهم أمرهم ويتخاصمون فيه ليرتفع الخلاف ويتبين الحق وضمير أمرهم قيل عائد

الصفحة 233