كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 15)

ألوانه فيه شفاء للناس وذكر ههنا في القرآن وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين وذكر سبحانه في تلك أمره بإيتاء ذي القربى وأمر هنا بذلك مع زيادة في قوله سبحانه : وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا وذلك بعد أن أمر جل وعلا بالإحسان بالوالدين اللذين هما منشأ القرابة إلى غير ذلك مما لا يحصى فليتأمل والله تعالى الموفق
بسم الله الرحمن الرحيم سبحان الذي أسرى بعبده سبحان هنا على ما ذهب إليه بعض المحققين مصدر سبح تسبيحا بمعنى نزه تنزيها لا بمعنى قال سبحان الله نعم جاء التسبيح بمعنى القول المذكور كثيرا حتى ظن بعضهم أنه مخصوص بذلك وإلى هذا ذهب صاحب القاموس في شرح ديباجة الكشاف وجعل سبحان مصدر سبح مخففا وليس بذاك وقد يستعمل علما للتنزيه فيقطع عن الإضافة لأن الأعلام لا تضاف قياسا ويمنع من الصرف للعلمية والزيادة واستدل على ذلك بقول الأعشى : قد قلت لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر وقال الرضي : لا دليل على علميته لأنه أكثر ما يستعمل مضافا فلا يكون علما وإذا قطع فقد جاء منونا في الشعر كقوله : سبحانه ثم سبحانا نعوذ به وقبلنا سبح الجودي والجمد وقد جاء باللام كقوله :
سبحانك اللهم ذو السبحان
ولا مانع من أن يقال في البيت الذي استدلوا به : حذف المضاف إليه وهو مراد للعلم به وأبقى المضاف على حاله مراعاة لأغلب أحواله أي التجرد عن التنوين كقوله :
خالط من سلمى خياشيم وفا
انتهى وظاهر كلام الزمخشري أنه علم للتسبيح دائما وهو علم جنس لأن علم الجنس كما يوضع للذوات يوضع للمعاني فلا تفصيل عنده وانتصر له صاحب الكشف فقال : إن ما ذهب إليه العلامة هو الوجه لأنه إذا ثبتت العلمية بدليلها فالإضافة لا تنافيها وليست من باب زيد المعارك لتكون شاذة بل من باب حاتم طي وعنترة عبس وذكر أمه يدل على التنزيه البليغ وذلك من حيث الاشتقاق من السبح وهو الذهاب والابعاد في الأرض ثم ما يعطيه نقله إلى التفعيل ثم العدول عن المصدر إلى الاسم الموضوع له خاصة لا سيما وهو علم يشير إلى الحقيقة الحاضرة في الذهن وما فيه من قيامه قام المصدر مع الفعل فإن انتصابه بفعل متروك الإظهار ولهذا لم يجز استعماله إلا فيه تعالى أسماؤه وعظم كبرياؤه وكأنه قيل : ما أبعد الذي له هذه القدرة عن جميع النقائص فلا يكون اصطفاؤه لعبده الخصيص به إلا حكمة وصوابا انتهى
وأرورد على ما ذكره أولا أن من منع إضافة العلم قياسا لم يفرق بين إضافة وإضافة فإن ادعى أن بعض الأعلام اشتهرت بمعنى كحاتم بالكرم فيجوز في نحوه الاضافة لقصد التخصيص ودفع العموم الطاريء فما نحن فيه ليس من هذا القبيل كما لا يخفى وما ذكر من دلالته عن التنزيه من جميع النقائص هو الذي يشهد له المأثور ففي العقد الفريد عن طلحة قال : سألت رسول الله عن تفسير سبحان الله فقال : تنزيه لله تعالى عن كل سوء وقال الطيبي في قول الزمخشري : إنه دل على التنزيه البليغ عن جميع القبائح التي يضيفها إليه أعداء الله تعالى إن ذلك مما يأباه مقام الإسراء إباه العيوف الورود وهو مزيف بل معناه التعجب كما قال في النور الأصل في ذلك أن يسبح الله تعالى عند رؤية العجيب من صنائعه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه وليس

الصفحة 3