كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 15)

ابن سام بن نوح عليه السلام ولم يصح عندي شيء من هذه الأقوال بيد أن صنيع النووي عليه الرحمة في شرح مسلم يشعر باختيار أنه بليا بن ملكا وهو الذي عليه الجمهور والله تعالى أعلم
وصح من حديث البخاري وغيره أنهما رجعا إلى الصخرة وإذا رجل مسجي بثوب قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه الآخر تحت رأسه وفي صحيح مسلم فأتيا جزيرة فوجدا الخضر قائما يصلي على طنفسة خضراء على كبد البحر وقال الثعلبي : انتهيا إليه وهو نائم طنفسة خضراء على وجه الماء وهو مسجى بثوب أخضر وقيل إن سبيل الحوت عاد حجرا فلما جاء إليه مشيا عليه حتى وصلا جزيرة فيها الخضر وصح أنهما لما انتهيا إليه سلم موسى فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام فقال : أنا موسى فقال : موسى بن إسرائيل قال : نعم وروي أنه لما سلم عليه وهو مسجى عرفه أنه موسى فرفع رأسه فاستوى جالسا وقال : وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل فقال موسى : وما أدراك بي ومن أخبرك أني نبي بني إسرائيل فقال : الذي أدراك بي ودلك علي ثم قال : يا موسى أما يكفيك أن التوراة بيدك وأن الوحي يأتيك قال موسى : إن ربي أرسلني إليك لأتبعك وأتعلم من علمك والتنوين في عبدا للتفخيم والإضافة في عبادنا للتشريف والاختصاص أي عبدا جليل الشأن ممن اختص بنا وشرف بالإضافة إلينا
ءاتيناه رحمة من عندنا قيل المراد بها الرزق الحلال والعيش الرغد وقيل العزلة عن الناس وعدم الاحتياج إليهم وقيل طول الحياة مع سلامة البنية والجمهور على أنها الوحي والنبوة وقد أطلقت على ذلك في مواضع من القرآن وأخرج ذلك ابن أبي حاتم عن ابن عباس وهذا قول من يقول بنبوته عليه السلام وفيه أقوال ثلاثة فالجمهور على أنه عليه السلام نبي وليس برسول وقيل هو رسول وقيل هو ولي وعليه القشيري وجماعة والمنصور ما عليه الجمهور وشواهده من الآيات والأخبار كثيرة وبمجموعها يكاد يحصل اليقين وكما وقع الخلاف في نبوته وقع الخلاف في حياته اليوم فذهب جمع إلى أنه ليس بحي اليوم وسئل البخاري عنه وعن إلياس عليهما السلام هل هما حيان فقال : كيف يكون هذا وقد قال النبي أي قبل وفاته بقليل لا يبقى على رأس المائة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد والذي في صحيح مسلم عن جابر قال : قال رسول الله قبل موته ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة وهي يومئذ حية وهذا أبعد عن التأويل وسئل عن ذلك غيره من الأئمة فقرأ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وسئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال : لو كان الخضر حيا لوجب عليه أن يأتي إلى النبي ويجاهد بين يديه ويتعلم منه وقد قال النبي يوم بدر اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فكانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم فأين كان الخضر حينئذ
وسئل إبراهيم الحربي عن بقائه فقال : من أحال على غائب لم يتصف منه وما ألقى هذا بين الناس إلا الشيطان
ونقل في البحر عن شرف الدين أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي القول بموته أيضا ونقله ابن الجوزي عن علي بن موسى الرضا رضي الله تعالى عنهما أيضا وكذا عن إبراهيم بن إسحق الحربي وقال أيضا : كان أبو الحسين بن المنادي يقبح قول من يقول إنه حي
وحكى القاضي أبو يعلي موته عن بعض أصحاب محمد وكيف يعقل وجود الخضر ولا يصلي مع رسول الله الجمعة والجماعة ولا يشهد معه الجهاد مع قوله عليه الصلاة و السلام والذي نفسي بيده لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني وقوله عز و جل وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول

الصفحة 320