كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 15)

ومنها ما أخرجه ابن عساكر بسنده عن محمد بن المنكدر قال : بينما عمر بن الخطاب يصلي على جنازة إذا بهاتف يهتف من خلفه لا تسبقنا بالصلاة يرحمك الله تعالى فانتظره حتى حق بالصف الأول فكبر عمر وكبر الناس معه فقال الهاتف : إن تعذبه فكثيرا عصاك وإن تغفر له ففقير إلى رحمتك فنظر عمر إلى الرجل فلما دفن الميت وسوي عليه التراب قال : طوبى لك يا صاحب القبر إن لم تكن عريفا أو جابيا أو خازنا أو كاتبا أو شرطيا فقال عمر : خذوا لي الرجل نسأله عن صلاته وكلامه هذا عمن هو فتوارى عنهم فنظروا فإذا أثر قدمه ذراع فقال عمر : هذا والله الذي حدثنا عنه النبي والاستدلال بهذا مبني على أنه عنى بالمحدث عنه الخضر عليه السلام إلى غير ذلك وكثير مما ذكرنا وإن لم يدل على أنه حي اليوم بل يدل على أنه كان حيا في زمنه ولا يلزم من حياته إذ ذاك حياته اليوم إلا أنه يكفي في رد الخصم إذ هو ينفي حياته إذ ذاك كما ينفي حياته اليوم نعم إذا كان عندنا من يثبتها إذذاك وينفيها الآن لم ينفع ما ذكر معه لكن ليس عندنا من هو كذلك وحكايات الصالحين من التابعين والصوفية في الاجتماع به والأخذ عنه في سائر الأعصار أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر نعم أجمع المحدثون والقائلون بحياته عليه السلام على أنه ليس له رواية عن النبي كما صرح به العراقي في تخريج أحاديث الأحياء وهذا خلاف ما عند الصوفية فقد ادعى الشيخ علاء الدين استفادة الأحاديث النبوية عنه بلا واسطة
وذكر السهروردي في السر المكتوم أن الخضر عليه السلام حدثنا بثلثمائة حديث سمعه من النبي شفاها واستدل بعض الذاهبين إلى حياته الآن بالاستصحاب فإنه قد تحققت من قبل بالدليل فتبقى على ذلك إلى أن يقوم الدليل على خلافها ولم يقم وأجابوا عما استدل به الخصم مما تقدم فأجابوا عما ذكره البخاري من الحديث الذي لا يوجب نفي حياته في زمانه وإنما يوجب لظاهره نفيها بعد مائة سنة من زمان القول بأنه لم يكن حينئذ على ظهر الأرض بل كان على وجه الماء وبأن الحديث عام فيما يشاهده الناس بدليل استثناء الملائكة عليهم السلام وإخراج الشيطان وحاصله انخرام القرن الأول نعم هو نص في الرد على مدعي التعمير كرتن بن عبد الله الهندي التبريزي الذي ظهر في القرن السابع وادعى الصحبة وروى الأحاديث وفيه أن الظاهر ممن على ظهر الأرض من هو من أهل الأرض ومتوطن فيها عرفا ولا شك أن هذا شامل لمن كان في البحر ولو لم يعد من في البحر ممن هو على ظهر الأرض لم يكن الحديث نصا في الرد على رتن وإضرابه لجواز أن يكونوا حين القول في البحر بل متى قبل هذا التأويل خرج كثير من الناس من عموم الحديث وضعف العموم في قوله تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة ولينظر في قول من قال : يحتمل أنه كان وقت القول في الهواء ففيه أيضا مالا يخفى على الناظر ويرد على الجواب الثاني أن الخضر لو كان موجودا لكان ممن يشاهده الناس كما هو الأمر المعتاد في البشر وكونه عليه السلام خارجا عن ذلك لا يثبت إلا بدليل وأنى هو فتأمل وأجابوا عما قاله الشيخ ابن تيمية بأن وجود الأتيان ممنوع فكم من مؤمن به في زمانه لم يأته عليه الصلاة و السلام فهذا خير التابعين أويس القرني رضي الله تعالى عنه لم يتيسر له الإتيان والمرافقة في الجهاد ولا التعلم من غير واسطة وكذا النجاشي رضي الله تعالى عنه على أن نقول : إن الخضر عليه السلام كان يأتيه ويتعلم منه لكن على وجه الخفاء لعدم كونه مأمورا بإتيان العلانية لحكمة

الصفحة 323