كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 15)

أن الجمعة والجنازة وجبتا بعد الصلوات الخمس وفي شرح المنهاج للعلامة ابن حجر إن صلاة الجمعة فرضت بمكة ولم تقم بها لفقد العدد أو لأن شعارها الاظهار وكان بها مستخفيا وأول من أقامها بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة بقرية على ميل من المدينة
ونقل الدميري عن ابن الأثير أنه قال : الصحيح عندي أنها كانت ليلة الاثنين واختاره ابن المنير وفي البحر قيل إن الإسراء كان في سبع عشرة من شهر ربيع الأول والرسول ابن إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وثمانية وعشرين يوما وحكى أنها ليلة السابع والعشرين من شهر ربيع الآخر عن الجرمي وهي على ما نقل السفيري عن الجمهور أفضل الليالي حتى ليلة القدر مطلقا وقيل هي أفضل بالنسبة إلى النبي وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى أمته عليه الصلاة و السلام ورد بأن ما كان أفضل بالنسبة إليه فهو أفضل بالنسبة إلى أمته عليه الصلاة و السلام فهي أفضل مطلقا نعم لم يشرع التعبد فيها والتعبد في ليلة القدر مشروع إلى يوم القيامة والله تعالى أعلم واختلف أيضا أنه في اليقظة أو في المنام فعن الحسن أنه في المنام
وروي ذلك عن عائشة ومعاوية رضي الله تعالى عنهما ولعله لم يصح عنها كما في البحر وكانت رضي الله تعالى عنها إذ ذاك صغيرة ولم تكن زوجته عليه الصلاة و السلام وكان معاوية كافرا يومئذ واحتج لذلك بقوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس لأن الرؤيا تختص بالنوم لغة ووقع في حديث شريك المتقدم ما يؤيده وذهب الجمهور إلى أنه في اليقظة ببدنه وروحه والرؤيا تكون بمعنى الرؤية في اليقظة كما في قول الراعي يصف صائدا : وكبر للرؤيا وهش فؤاده وبشر قلبا كان جما بلاله وقال الواحدي : إنها رؤية اليقظة ليلا فقط وخبر شريك لا يعول عليه على ما نقل عن عبد الحق وقال النووي : وأما ما وقع في رواية عن شريك وهو نائم وفي أخرى عنه بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان فقد يحتج به من يجعلها رؤيا نوم ولا حجة فيه إذ قد يكون أول وصول الملك إليه وليس في الحديث ما يدل على كونه نائما في القصة كلها واحتج الجمهور لذلك بأنه لو كان مناما ما تعجب منه قريش ولا استحالوه لأن النائم قد يرى نفسه في السماء ويذهب من المشرق إلى المغرب ولا يستبعده أحد وأيضا العبد ظاهر في الروح والبدن وذهبت طائفة منهم القاضي أبو بكر والبغوي إلى تصديق القائلين بأنه في المنام والقائلين بأنه في اليقظة وتصحيح الحديثين في ذلك بأن الإسراء كان مرتين إحداهما في نومه قبل النبوة فأسري بروحه توطئة وتيسيرا لما يضعف عنه قوى البشر وإليه الإشارة فبقوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ثم أسري بروحه وبدنه بعد النبوة قال في الكشف : وهذا هو الحق وبه يحصل الجمع بين الأخبار
وحكى المازري في شرح مسلم قولا رابعا جمع بين القولين فقال : كان الإسراء بجسده في اليقظة إلى بيت المقدس فكانت رؤية عين ثم أسري بروحه الشريفة عليه الصلاة و السلام منه إلى ما فوقه فكانت رؤيا قلب ولذا شنع الكفار عليه عليه الصلاة و السلام قوله : أتيت بيت المقدس في ليلتي هذه ولم يشنعوا عليه قوله فيما سوى ذلك ولم يتعجبوا منه لأن الرؤيا ليست محل التعجب وليس معنى الإسراء

الصفحة 7