كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 16)

تاخير عذابهم ليس باهمال بل امهال وانه لازم لهم البتة فاصبر على مايقولون من كلمات الكفر فان علمه صلى الله عليه و سلم بانهم معذبون لامحالة مما يسليه ويحمله على الصبر والمراد به عدم الأضطراب لاترك القتال حتى تكون الآية منسوخة وسبح ملتبسا بحمد ربك أي صل وانت حامد لربك عز و جل الذي يبلغك إلى كمالك على هدايته وتوقيفه سبحانه قبل طلوع الشمس أي صلاة الفجر وقبل غروبها أي صلاة المغرب والظاهر أن الظرف متعلق بسبح
وقد أخرج تفسير التسبيح في هذين الوقتين بما ذكر الطبراني وابن عساكر وابن مردويه عن جرير مرفوعا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأخرج الحاكم عن فضالة بن وهب الليثي أن النبي عليه الصلاة و السلام قال له : حافظ على العصرين قلت : وما العصران قال : صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وقيل : المراد بالتسبيح قبل غروبها صلاتا الظهر والعصر لأن وقت كل منهما قبل غروبها وبعد زوالها وجمعها لمناسبة قوله تعالى قبل طلوع الشمس وانت تعلم أن قبل الغروب وإن كان باعتبار معناه اللغوي صادقا على وقت الظهر ووقت العصر إلا أن الاستعمال شائع فيه وقت العصر وقوله تعالى ومن إناء الليل أي من ساعاته جمع إنى وانو بالياء والواو وكسر الهمزة وانا بالكسر والقصر و إناء بالفتح والمد ولم يشتهر اشتهار الثلاثة الأول وذكره من يوثق به من المفسرين وقال الراغب في مفرداته : قال الله تعالى غير ناظرين اناه أي وقته والاناه إذا كسر أوله قصر وإذا فتح مد نحو قول الحطيئة : وآنيت العشاء إلى سهيل أو الشعرى فطال بي الاناء ثم قال : ويقال مانيت الشئ ايناء أي أخرته عن اوانه ويانيت تأخرت اه وفي المصباح آنيته بالفتح والمد أخرته والأسم اناء بوزن سلام قيل منصوب على الظرفية بمضمر وقوله سبحانه فسبح عطف عليه أي قم بعض آناء الليل فسبح وهو كما ترى وقيل : منصوب بسبح على نسق وإياى فارهبون والفاء على الأول عاطفة وعلى الثاني مفسرة وقيل : إنه معمول فسبح والفاء زائدة فائدتها الدلالة على لزوم ما بعدها لما قبلها
وذكر الخفاجي أنه معمول لما ذكر من غير حاجة لدعوى زيادة الفاء لانها لاتمنع عمل مابعدها فيما قبلها كما صرح به النحاة والمراد من التسبيح في بعض آناء الليل صلاة المغرب وصلاة العشاء وللاعتناء بشأنهما لم يكتف في الأمر بفعلهما بالفعل السابق بأن يعطف من إناء الليل على أحد الظرفين السابقين من غير ذكر فسبح وللاهتمام بشأن إناء الليل وامتيازها على سائر الأوقات بامور خاصية وعامية قدم ذكرها على الأمر ولم يسلك بها مسلك ما تقدم
وقوله تعالى وطراف النهار عطف على محل قوله سبحانه من إناء الليل وقيل : على قوله عز و جل قبل طلوع والمراد من التسبيح اطراف النهار على ما أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن قتادة صلاة الظهر واختاره الجبائي ووجه إطلاق الطرف على وقتها بأنه نهاية النصف الأول من النهار وبداية النصف الأخير منه وجمعه باعتبار النصفين أو لأن تعريف النهار للجنس الشامل لكل نهار فيكون الجمع باعتبار تعدد النهار وان لكل طرفا كذا قيل واورد على ذلك أن البداية والنهاية فيه ليست على وتيرة واحدة

الصفحة 281