كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 16)

وسئل ابن عطاء عن ذلك فقال : ما خاف عليه السلام على نفسه وإنما خاف على قومه أن يفوتهم حظهم من الله تعالى قلنا لا تخف إنك أنت الاعلى أي إنك المحفوظ بعيون الرعاية وحرس اللطف أو انت الرفيع القدر الغالب عليهم غلبة تامة بحيث يكونون بسببها من اتباعك فلا يفوتهم حظهم من الله تعالى قألقى السحرة سجدا إلى آخر ما كان منهم فيه إشارة إلى أن الله تعالى يمن على من يشاء بالتوفيق والوصول اليه سبحانه في اقصر وقت فلا يستبعد حصول الكمال لمن تاب وسلك على يد كامل مكمل في مدة يسيرة وكثير من الجهلة ينكرون على السالكين التائبين إذا كانوا قريبي العهد بمقارفة الذنوب ومفارقة العيوب حصول الكمال لهم وفيضان الخير عليهم ويقولون كيف يحصل لهم ذلك وقد كانوا بالامس كيت وكيت وقولهم : ان نؤثرك الخ كلام صادر من عظم الهمة الحاصل للنفس بقوة اليقين فانه متى حصل ذلك للنفس لم تبال بالسعادة الدنيوية والشقاوة البدنية واللذات العاجلة الفانية والآلام الحسية في جنب السعادة الاخروية واللذة الباقية الروحانية ولقد اوحينا إلى موسى أن اسر بعبادي الخ فيه اشارة إلى استحباب مفارقة الأغيار وترك صحبة الاشرار ولا تطغوا فيه عد من الطغيان فيه استعماله مع الغفلة عن الله تعالى وعدم نية التقوى به على تقواه عز و جل وما اعجلك عن قومك يا موسى الأشارة فيه أنه ينبغي للرئيس رعاية الأصلح في حق المرؤس وللشخ عدم فعل ما يخشى منه سوء ظن المريد لا سيما إذا لم يكن له رسوخ اصلا قال فانا قد فتنا قومك من بعدك
قال ابن عطاء : إن الله تعالى قال لموسى عليه السلام بعد أن اخبره بذلك : أتدري من أين أتيت قال : لا يا رب قال سبحانه : من قولك لهرون : اخلفني في قومي وعدم تفويض الأمر الي والأعتماد في الخلافة علي
وذكر بعضهم أن سر اخبار الله تعالى إياه بما ذكر مباسطته عليه السلام وشغله بصحبته عن صحبة الاضداد وهو كما ترى واضلهم السامري صار سبب ضلالهم بما صنع قال بعض أهل التاويل : إنما ابتلاهم الله تعالى بما ابتلاهم ليتميز منهم المستعد القابل للكمال بالتجريد من القاصر الأستعداد المنغمس في المواد الذي لا يدرك إلا المحسوس ولا يتنبه للمجرد المعقول ولهذا قالوا : ما اخلفنا موعدك بملكنا أي برأينا فانهم عبيد بالطبع لا رأى لهم ولا ملكة وليسوا مختارين لا طريق لهم إلا التقليد والعمل لا التحقيق والعلم وإنما استعبدهم السامري بالطلسم المفرغ من الحلي لرسوخ محبةالذهب في نفوسهم لانها سفلية منجذبة إلى الطبيعة الجسمانية وتزين الطبيعة الذهبية وتحلى تلك الصورة النوعية فيها للتناسب الطبيعي وكان ذلك من باب مزج القوى السماوية التي هي اثر النفس الحيوانية الكلية السماوية المشار اليها بحيزوم وفرس الحياة وهي مركب جبريل عليه السلام المشار به إلى العقل الفعال بالقوى الارضية ولذلك قال : بصرت بما لم يبصروا به أي من العلم الطبيعي والرياضي اللذين يبنى عليهما علم الطلسمات والسيمياء قال فاذهب فان لك في الحياة أن تقول لامساس قال ذلك عليه السلام غضبا على السامري وطردا له وكل من غضب عليه الأنبياء وكذا الأولياء لكونهم مظاهر صفات الحق تعالى وقع في قهره عز و جل وشقى في الدنيا والآخرة وكانت صورة عذاب هذا الطريد في التحرز عن المماسة نتيجة بعده عن الحق في الدعوة إلى الباطل واثر لعن موسى عليه السلام إياه عند إبطال كيده وإزالة مكره ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا قال أهل الوحدة : أي يسألونك عن موجودات الأشياء فقل ينسفها ربي برياح النفحات الالهية الناشئة من معدن الاحدية فيذرها في القيامة الكبرى قاعا صفصفا وجودا احديا لا ترى فيها عوجا ولا امتا اثنينية ولا غيريه يومئذ يتبعون الداعي

الصفحة 288