كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 16)

الذي هو الحق سبحانه لا عوج له إذ هو تعالى آخذ بنواصيهم وهو على صراط مستقيم وخشعت الاصوات للرحمن إذ لا فعل لغيره عز و جل فلا تسمع إلا همسا امرا خفيا باعتبار الأضافة إلى المظاهر انتهى
ولكم لهم مثل هذه التاويلات والله تعالى العاصم يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من اذن له الرحمن ورضى له قولا قيل : هو من صحح فعله وعقده ولم ينسب لنفسه شيئا ولا رأى لها عملا ولا يحيطون به علما لكمال تقدسه وتنزهه وجلاله سبحانه عز و جل فهيهات أن تحلق بعوضة الفكر في جو سماء الجبروت ومن اين لنحلة النفس الناطقة أن ترعى ازهار رياض بيداء اللاهوت نعم يتفاوت الخلق في العلم بصفاته عز و جل على قدر تفاوت استعداداتهم وهو العلم المشار اليه بقوله تعالى : وقل رب زدني علما وقيل : هذا إشارة إلى العلم اللدني والأشارة في قصة آدم عليه السلام إلى أنه ينبغي للانسان مزيد التحفظ من الوقوع في العصيان ولله تعالى در من قال : يا ناظرا يرنو بعيني راقد ومشاهدا للأمر غير مشاهد منيت نفسك ضلة وابحتها طرق الرجاء وهن غير قواصد تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي درج الجنان بها وفوز العابد ونسيت أن الله أخرج آدما منها إلى الدنيا بذنب واحد وروى الضحاك عن ابن عباس قال : بينا إدم عليه السلام يبكي جاءه جبريل عليه السلام فبكى إدم وبكى جبريل لبكائه عليهما السلام وقال : يا إدم ما هذا البكاء قال : يا جبريل وكيف لا أبكي وقد حولني ربي من السماء إلى الأرض ومن دار النعمة إلى دار البؤس فانطلق جبريل عليه السلام بمقالة آدم فقال الله تعالى : يا جبريل انطلق اليه فقل له : يا آدم يقول لك ربك ألم أخلقك بيدي ألم أنفخ فيك من روحي ألم أسجد لك ملائكتي ألم أسكنك جنتي ألم آمرك فعصيتني فوعزتي وجلالي لو أن ملء الأرض رجالا مثلك ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين غير أنه يا آدم قد سبقت رحمتي غضبي وقد سمعت تضرعك ورحمت بكاءك واقلت عثرتك ومن اعرض عن ذكرى أي بالتوجه إلى العالم السفلى فان له معيشة ضنكا لغلبة شحه وشدة بخله فان المعرض عن جناب الحق سبحانه انجذبت نفسه إلى الزخارف الدنيوية والمقتنيات المادية لمناسبتها إياه واشتد حرصه وكلبه عليها وشغفه بها للجنسية والأشتراك في الظلمة والميل إلى الجهه السفلية فيشح بها عن نفسه وغيره وكلما استكثر منها ازداد حرصه عليها وشحه بها وتلك المعيشة الضنك
ولهذا قال بعضهم : لا يعرض أحد عن ذكر ربه سبحانه إلا اظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه بخلاف الذاكر المتوجه اليه تعالى فانه ذو يقين منه عز و جل وتوكل عليه تعالى في سعة من عيشه ورغد ينفق ما يجد ويستغني لربه سبحانه عما يفقد والعاقبة للتقوى أي العاقبة التي تعتبر وتستاهل أن تسمى عاقبة لأهل القوى المتخلين عن الرذائل النفسانية المتحلين بالفضائل الروحانية نسأل الله تعالى أن يمن علينا بحسن العاقبة وصفاء العمر عن المشاغبة ونحمده سبحانه على إلائه ونصلى ونسلم على خير انبيائه وعلى إله خير إل ما طلع نجم ولمع إل
تم الجزء السادس عشر ويليه أن شاء الله تعالى الجزء السابع عشر وأوله سورة 17

الصفحة 289