كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)

وتشتهرون بشهرته لأنكم حملته والمرجع في حل معاقده وجعل ذلك فيه مبالغة في سببيته له وعن سفيان أنه مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال أي فيه ما يحصل به الذكر أي الثناء الحسن وحسن الأحدوثة من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال إطلاقا لاسم المسبب على السبب فهو مجاز عن ذلك أيضا
وأخرج غير واحد عن الحسن أن المراد فيه ما تحتاجون إليه من أمور دينكم وزاد بعض ودنياكم وقيل الذكر بمعنى التذكير مضافا للمفعول والمعنى فيه موعظتكم ورجح ذلك بأنه الأنسب بسياق النظم الكريم وسياقه فإن قوله تعالى أفلا تعقلون
10
- إنكار توبيخي فيه بعث لهم على التدبر في أمر الكتاب والتدبر فيما في تضاعيفه من فنون المواعظ والزواجر التي من جملتها القوارع السابقة واللاحقة
وقال صاحب التحرير : الذي يقتضيه سياق الآيات أن المعنى فيه ذكر قبائحكم ومثالبكم وما عاملتم به أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام في التكذيب والعناد وقوله تعالى أفلا تعقلون إنكار عليهم في عدم تفكرهم مؤد إلى التنبه عن سنة الغفلة انتهى وفيه بعد والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أي إلا تتفكرون فلا تعقلون أن الأمر كذلك أولا تعقلون شيئا من الأشياء التي من جملتها ما ذكر وقوله عز و جل وكم قصمنا من قرية نوع تفصيل لإجمال قوله تعالى وأهلكنا المسرفين وبيان لكيفية إهلاكهم وتنبيه على كثرتهم فكم خبرية مفيدة للتكثير محلها النصب على أنها مفعول لقصمنا و من قرية تمييز وفي لفظ القصم الذي هو عبارة عن الكسر بتفريق الأجزاء وإذهاب التئامها بالكلية كما يشعر به الإتيان بالقاف الشديدة من الدلالة على قوة الغضب وشدة السخط ما لا يخفى وقوله تعالى كانت ظالمة صفة قرية وكان الأصل على ما قيل أهل قرية كما ينبيء عنه الضمير الآتي إن شاء الله تعالى فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فوصف بما هو من صفات المضاف أعني الظلم فكأنه قيل وكثيرا قصمنا من أهل قرية كانوا ظالمين بآيات الله تعالى كافرين بها مثلكم
وفي الكشاف المراد بالقرية أهلها ولذلك وصفت بالظلم فيكون التجور في الطرف وقال بعضهم : لك أن تقول وصفها بذلك على الإسناد المجازي وقوله قصمنا من قرية كناية على قصم أهلها للزوم أهلاكها أهلاكهم فلا مجاز ولا حذف وأيا ما كان فليس المراد قرية معينة وأخرج ابن المنذر وغيره عن الكلبي أنها حضور قرية باليمن وأخرج ابن مردوية من طريق عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال بعث الله تعالى نبيا من حمير يقال له شعيب فوثب إليه عبد فضربه بعصا فسار إليهم بختنصر فقاتلهم فقتلهم حتى لم يبقى منهم شيء وفيهم أنزل الله تعالى وكم قصمنا الخ وفي البحر أن هؤلاء كانوا بحضور وأن الله تعالى بعث إليهم نبيا فقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر كما سلطه على أهل بيت المقدس بعث إليهم جيشا فهزموه ثم بعث إليهم آخر فهزموه فخرج إليهم بنفسه فهزمهم وقتلهم وعن بعضهم أنه كان اسم هذا النبي موسى بن ميشا وعن ابن وهب أن الآية في قريتين باليمن إحداهما حضور والأخرى قلابة بطر أهلهما فأهلكهم الله تعالى على يد بختنصر ولا يخفى أنه مما يأباه ظاهر الآية والقول بأنها من قبيل قولك كم أخذت من دراهم زيد على أن الجار متعلق بأخذت والتمييز محذوف أي كم درهم أخذت من دراهم زيد ويقال هنا إنها بتقديركم ساكن قصمنا من ساكني قرية أو نحو ذلك مما لا ينبغي أن يلتفت إليه إلا بالرد عليه فلعل ما في الروايات محمول

الصفحة 15