كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)

وقيل : تمنى قرأ و أمنيته قراءته وما يلقى الشيطان كلمات تشابه الوحي يتكلم بها الشيطان بحيث يظن السامع أنها من قراءة النبي وقد روي أن الآية نزلت حين قرأ عليه الصلاة و السلام أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فألقى الشيطان في سكتته محاكيا نغمته عليه الصلاة و السلام بحيث يسمعه من حوله تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجي فظن المشركون أنه عليه الصلاة و السلام هو المتكلم بذلك ففرحوا وسجدوا معه لما سجد آخر السورة وقيل : المتكلم بذلك بعض المشركين وظن سائرهم أنه عليه الصلاة و السلام هو المتكلم به وقيل : إنه صلى الله تعالى عليه وسلم هو الذي تكلم بذلك عامدا لكن مستفهما على سبيل الإنكار والإحتجاج على المشركين وجعل من إلقاء الشيطان لما ترتب عليه من ظن المشركين أنه مدح لآلهتهم ولا يمنع ذلك أنه عليه الصلاة و السلام كان يصلي لأن الكلام في الصلاة كان جائزا إذ ذاك وقيل : بل كان ساهيا فقد أخرج عبد بن حميد من طريق يونس عن ابن شهاب قال : حدثني أبو بكر ابن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو بمكة قرأ عليهم والنجم فلما بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى قال : إن شفاعتهن ترتجي وسها رسول الله عليه الصلاة و السلام ففرح المشركون بذلك فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : ألا إنما ذلك من الشيطان فأنزل الله تعالى وما أرسلنا حتى بلغ عذاب يوم عقيم قال الجلال السيوطي : وهو خبر مرسل صحيح الإسناد وقيل : تكلم بذلك ناعسا
فقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : بينا نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي عند المقام إذ نعس فألقى الشيطان على لسانه كلمة فتكلم فقال : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وإن شفاعتهن لترتجي وإنها لمع الغرانيق العلا فحفظها المشركون وأخبرهم الشيطان أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد قرأها فنزلت ألسنتهم فأنزل الله تعالى وما أرسلنا الآية وقيل : تمنى قدر في نفسه ما يهواه و أمنيته قراءته وما يلقى الشيطان كلمات تشابه الوحي فقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال : أنزلت سورة النجم وكان المشركون يقولون : لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد اشتد عليه ما ناله أصحابه من أذاهم وتكذيبهم وأحزنه ضلالتهم فكان يتمنى هداهم فلما أنزل الله تعالى سورة النجم قال : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان عندها كلمات فقال : وإنهن لهن الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لهي التي ترتجي وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة وزلت بهما ألسنتهم وتباشروا بهما وقالوا إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم أو مشرك ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة فأنزل الله تعالى وما أرسلنا الآيات وقيل : إن النبي صلى الله عليه و سلم حين ألقاها الشيطان تكلم بها ظانا وحي حتى نبه جبريل عليه السلام ففي الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال : قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بمكة النجم فلما بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلا وإن

الصفحة 176